دراساتصحيفة البعث

صدى تصريحات بوتين حول بايدن وترامب

ريا خوري

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقاءً صحفياً مع الصحفي الأمريكي الشهير بافل زاروبين بثته قناة روسيا 1، عبّر خلاله عن الكثير من القضايا والمواقف السياسية الخارجية لروسيا الاتحادية، ورأى بوتين أنّ الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن (أكثر خبرة) و(أكثر قدرة على التنبّؤ)، ووصفه بأنه (سياسي أمريكي قوي)، مشيراً إلى أنه (سيعمل مع أيّ زعيم أمريكي يحظى بدعم الشعب الأمريكي).  ووصف بوتين بايدن بأنه شخص (يمكن توقّع) تصرّفاته أكثر من الرئيس السابق دونالد ترامب، وأنه سياسي أمريكي من المدرسة القديمة، ومع هذا أعرب عن استعداده للتعامل مع الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية أيّاً كان.

لقد كان الموقف الروسي واضحاً وصريحاً من الإدارة الأمريكية، حيث وصفها بوتين بأنها تتخذ سياسة ضارة للغاية وأنها سياسة خاطئة جداً، وخاصة عندما قامت إدارة بايدن بتقديم المساعدات العسكرية والمالية واللوجستية لأوكرانيا في المواجهة الساخنة المستمرة منذ عامين مع القوات الروسية.

وحول صحة بايدن، كان الردّ الروسي رداً دبلوماسياً حين قال: (ليس علينا التركيز على صحة جو بايدن. وعلينا بالأحرى أن نفحص موقفه السياسي تجاهنا وتجاه العالم. أعتقد أن السياسة الحالية للإدارة الأمريكية ضارّة للغاية وخاطئة).

فقد تفاقمت مشكلة الكفاءة العقلية ونسبة التركيز للرئيس الأمريكي بايدن بعد حادثتين شهيرتين خلط فيهما بين زعماء أوروبيين حاليين وأسلافهم المتوفين، فما كان من البيت الأبيض إلا القيام بالدفاع عنه بشدة بعد أن وصفه تقرير مفصّل قدّمه محقق بأنّ بايدن (رجل مسنّ ذو ذاكرة ضعيفة) فردّ بايدن بغضب على الاتهام، لكنه عمّق المشكلة لاحقاً أكثر من السابق عندما خلط مجدّداً بين رئيسي المكسيك ومصر.

هنا جاء الحديث عن الرئيس السابق دونالد ترامب البالغ من العمر 77 عاماً عندما كان فاقداً للتركيز العقلي، فقد خلط أيضاً بين منافسته على ترشيح الحزب الجمهوري رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، والسياسية الدبلوماسية نيكي هايلي. ومع ذلك، أعرب بوتين عن معارضته القوية للسياسة الخارجية التي تنتهجها الولايات المتحدة في عهد بايدن.

ويأتي تفضيل الرئيس الروسي العلني لبايدن على الرغم من انتقادات بايدن اللاذعة للرئيس بوتين، وبعد أن أعرب ترامب في مناسبات عديدة عن إعجابه بزعيم الكرملين بوتين، كما واجه المرشح الجمهوري ترامب انتقاداتٍ شديدة بعد أن صرّح مؤخراً أنه سيشجّع جمهورية روسيا الاتحادية على مهاجمة أي دولة في حلف شمال الأطلسي (ناتو) لم تدفع ما يستحق عليها من المال لدعم الحلف.

إنّ حالة الشرح والاسترسال في توضيح العديد من القضايا التي قدّمها الرئيس الروسي بوتين حظيت باهتمام عالمي كبير، وخاصة عندما عبّر عن رأيه بصراحةٍ مطلقة حول الرئيس بايدن والرئيس السابق ترامب، فقد أشاد بكفاءة بايدن وقدراته، وهذا الذي فاجأ الكثيرين داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، حيث توقع الكثيرون أن يكون جوابه حاسماً، وهو أنه يفضّل ترامب بسبب مواقفه من الحرب الأوكرانية على وجه التحديد، وعزمه على وقف دعمها عسكرياً ولوجستياً ومالياً في حال فوزه، وسعيه لوقف الحرب الساخنة في أوكرانيا خلال 24 ساعة، إضافةً إلى موقفه السلبي من حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي يجب عليه تحمّل كامل تكاليف الحماية الأمريكية لأوروبا، بما يعنيه ذلك من تخفيف حدّة المجابهة على الساحة الأوروبية مع روسيا الاتحادية.

ما يدور في الأروقة المغلقة وفي بعض وسائل الإعلام الغربية، أن هذا الموقف الذي اتخذه بوتين ليس الموقف الحقيقي لروسيا الاتحادية، وقد يكون ترامب على حق عندما قال معلِّقاً على ذلك الموقف: إنَّه (مجرَّد مجاملة سياسية)، حيث قال ترامب أمام أنصاره في نشارلستون بولاية ساوث كارولينا: “هناك كثير من الناس سيقولون إن ذلك سيّئ، بل سيّئ جداً.. لا على الإطلاق ليس سيئاً. إنها تصريحات جيدة ولها أهداف خاصة”، أي أنه لم يرَ في موقف بوتين ما يجعله يغيّر من مواقفه ورؤاه من الحرب الساخنة في أوكرانيا ولا من حلف شمال الأطلسي، ولا أن يتراجع عن وصفه الرئيس الروسي قبل عدّة أيام أمام أنصاره في أثناء جولاته الانتخابية في ولاية كارولينا الجنوبية بأنه (ذكي للغاية.. وذكي جداً).

لقد كانت الحسابات السياسية معقدة للغاية، فعلى سبيل المثال دخلت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في سياق الصراع الدولي، حيث كان لها تأثيرها الكبير في العلاقات الدولية وموقف العديد من دول العالم منها ومن المنخرطين فيها، تلك الحسابات تكون دقيقةً جداً لأن العلاقة مع أي إدارة أمريكية جديدة لها خصوصيتها ونهجها ومسيرتها ومصالحها وتكون محكومة بالموقف منها إيجاباً أو سلباً، ذلك أن العلاقات بين الدول تأخذ مساراً في اتجاهين اثنين يتكاملان في مجرى المصالح المشتركة بين البلدين، وبالقدر الذي تكون فيه المسارات إيجابية وبنّاءة تتحقق من خلالها المصالح المشتركة بين البلدين.

في سياق العلاقات الروسية ـ الأمريكية نجد الكثير من التناقض والاختلاف والصراعات حول المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية بين البلدين تأخذ شكل الحروب الجغرافية الضيقة التي تكون دائماً بالوكالة كما جرى ويجري على الساحة الأوكرانية، إضافةً إلى العقوبات الجائرة والحصار الاقتصادي  والتوسع المجنون باتجاه الحدود الغربية الروسية، والتحريض الأوروبي المستمر عليها، وجميعها جزءٌ لا يتجزأ من الصراع القائم في العالم على النظام الدولي الذي تشارك فيه الصين بقوةٍ أيضاً، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية بكل ما باستطاعتها لتأخير قيام هذا النظام من خلال إثارة النزاعات والصراعات وفتح بؤر توتر في العالم لتمديد عمر نظامها.

معظم المراقبين والمحللين السياسيين والاستراتيجيين  يعتقدون أنّ روسيا الاتحادية أكثر تأييداً للرئيس ترامب، وهو على الأرجح يعلم ذلك ويفصح عنه في الغرف المغلقة، لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تقطع العلاقة مع الرئيس الحالي، على الرغم من أنَّ الرئيس بوتين وصف موقف إدارته بأنه (ضارّ إلى أقصى درجة)، لكنها السياسة تراعي العلاقات البينية مع الآخر حتى لو كانت غير منسجمة أو غير متفقة معه.

ويتم الآن التداول حول الدور الروسي في الانتخابات الأمريكية، فلو كان الأمر صحيحاً أو مؤكداً لكان لروسيا مرشحها المفضّل، وجاهرت به على الملأ ودون تردّد، وقد يكون المرشح الديمقراطي روبرت كيندي جونيور الذي تتقارب مواقفه  السياسية من موقف الكرملين تجاه الحرب الساخنة في أوكرانيا التي قال عنها يوماً: (إنَّ الأمريكيين يتضوّرون جوعاً لتمويل الحرب في أوكرانيا التي لا تخدم أية مصالح أمريكية)، كما اتهم الإدارات الأمريكية بأنها (خلقت المزيد من الاستفزازات لروسيا الاتحادية منذ تسعينيات القرن الماضي)، ووصف مساعي ضمّ أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) بأنها (استفزاز غير ضروري أبداً، ومسار نحو الانزلاق إلى حرب مفتوحة مع روسيا لا تُحمَد عُقباها). أما من وجهة نظر الخبراء الاستراتيجيين فنجد أنّ تصريح الرئيس الروسي، أنّ بلاده لا تؤيّد انتخاب المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي بايدن، ولا يعني ذلك أيضاً أنَّ روسيا الاتحادية تعارض المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري ترامب.