رأيصحيفة البعث

بلاغة الحق وقوته

أحمد حسن    

بقوة الحق وبلاغته ارتقت سورية بالقضية المعروضة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، من مجرّد كونها جلسة نظر في دعوى قانونية محقّة ومطلوبة، وضرورية، لإيقاف المجزرة في غزة وإدانة المجرم الإسرائيلي، إلى جلسة تعرية أخلاقية وسياسية وقانونية، بالحقائق الدامغة والمثبتة، لجوهر الاحتلال وطبيعته المنافية للشرائع السماوية والأرضية وبينها القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة باعتبارها الممثل الرمزي الأكبر لإرادة دول العالم في ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وبقوة الحق وبلاغته وضعت دمشق جريمة الإبادة الحالية في غزة في سياقها “الطبيعي” المتمثّل بجرائم المحتل المستمرة منذ نحو 76 عاماً، والذي “يتصرّف بشكل رئيس من منطلق اغتصاب الأرض بالقوة، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي وأحكام الميثاق”، ليثبت أنه وجرائمه التي “تشكّل أوضح انعكاس لفشل المجتمع الدولي في وقف جرائم الاحتلال”، تشكّل أيضاً وهذا الأخطر “جزءاً من نظام قمعي ومنظم ومنهجي واسع النطاق”، يجب على المجتمع الدولي “مساءلته على انتهاكاته الجسيمة والمستمرة لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والقرارات الدولية ذات الصلة، على أن يستتبع وقف هذه الانتهاكات تفكيك المستوطنات وجدار الفصل العنصري والتعويض عن الأضرار التي لحقت بالشعب الفلسطيني”.

بيد أن “المساءلة”، وفق منطوق البلاغة السورية، ليست سوى الخطوة الأولى في مواجهة المحتل، أما الخطوة الثانية والأهم فيجب أن تتمثّل بإنهاء الاحتلال الغاشم ليس لفلسطين فقط بل أيضاً لـ”بقية الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان السوري”، وهذه هي الطريقة الوحيدة لاستعادة مصداقية منظومة الأمم المتحدة – بما في ذلك محكمة العدل الدولية – ولتحقيق استقرار المنطقة وإيقاف شلال الدم المتدفق فيها، فالحق الفلسطيني في تقرير المصير هو حق أساسي من حقوق الإنسان كرّسه ميثاق الأمم المتحدة ذاتها، فيما كرّس مجلس الأمن الدولي التابع لها بقراراته المتتالية وأولها القرار رقم 497 لعام 1981، بطلان احتلال الجولان السوري، وهذه “المنظومة القانونية” الدولية فرضت أيضاً “تبعات قانونية بالنسبة لدول ثالثة” لأنها “حجة ملزمة لكل أشخاص القانون الدولي، يجب على جميع الدول احترامها والسعي إلى تحقيقها، كما تقع على عاتق جميع الدول، بما يتفق مع احترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، مسؤولية وضع حدٍّ فوري لعرقلة ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير”.

خلاصة القول: هذه المحكمة، محكمة العدل الدولية، لا تنشئ، في هذه القضية، حقوقاً جديدة، بل تكشف عن حقوق تنتهكها “إسرائيل” كل يوم منذ عام 1948، وتنتهك معها 180 قراراً للجمعية العامة و227 قراراً لمجلس الأمن الدولي، كما قالت دمشق في مرافعتها التي أعادت بها ترسيم حدود القضية وتوسيعها لترتقي بها من ملاحقة جريمة آنية على خطورتها الهائلة وضرورة إيقافها الفورية، إلى طرح ملف إجرام كامل ومتمادٍ في الزمن لمجرم معروف ولحماته الدوليين، وبالتالي طرح قضية منطقة كاملة لا تريد شيئاً سوى الأمن والسلام، وتلك بلاغة الحق التي ستلاحق المجرم حتى النهاية المحتومة.