ثقافةصحيفة البعث

أيام الثقافة الفلسطينية.. قصائد أقوى من الرصاص

أمينة عباس

لا يملك الشّاعر في اللّحظات التي يعيشها الشعب الفلسطيني، اليوم، إلا الكلمات التي تولد من رحم الألم لموت الأبرياء من دون ذنب، والغضب من سلوك وحشي لعدو غادر، وانطلاقاً من قول الفيلسوف الفرنسي “جيل دولوز”: “الفنّ في جوهره مقاومة”، حضر الشعر في مسيرة القضيّة الفلسطينيّة إلى جانبِ السلاح لتحقيق فعل المقاومة، هذا الفعل الذي يستلزمُ الكلمةَ كما يستلزمُ الرصاصة، لذلك لم تكن الأيام الثقافيّة الفلسطينيّة التي أُقيمَت، مؤخراً، بالتعاون ما بين المركز الثقافي الروسي وأكاديمية “دار الثقافة”، وافتتحتْ بمهرجان الشعر إلا تأكيداً على أنه مع تصاعد المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين ظلّتْ حناجر شعراء فلسطين تصدح بكلمات أقوى من الرصاص من أجل الدفاع عن شعبهم من ظلم الاحتلال الإسرائيلي، وتأكيد حقوقهم المشروعة المختلفة، وحقهم في النضال حتى تحرير فلسطين انطلاقاً من قدرة أجيال مختلفة من الشعراء في التأثير والحفاظ على إبقاء قضية فلسطين حيّة في القلوب والعقول الحرة في العالم، وهذا ما جعل مدير المركز الثقافي الروسي “نيكولاي سوخوف” يؤكد في تصريحه لـ”البعث” أن المركز كان حريصاً على احتضان هذه الأيام، ولاسيّما أن روسيا منذ عقود داعمة للقضيّة الفلسطينيّة، مع إشارته إلى أن الشعر والأدب سلاح مُجْدٍ في قضايا الشعوب، والنموذج الفلسطيني خير مثال على ذلك حين استعمل الفلسطيني إلى جانب البندقية شعره وفنه وأدبه سلاحاً ضد الصهيونيّة، وهو سلاح مهم لأن تأثيره أوسع على عقول وقلوب البشر.

أهل الشعر وعشاقه

وفي كلمته وباسم أكاديميّة “دار الثقافة”، حيّا الكاتب الدكتور حسن حميد أهل الشعر وعشاقه والمركز الثقافي الروسي الذي احتضنها وأهل الثقافة الوطنيّة وحملة رايتها المنادية بالخير والمحبة والحق والجمال، ورأى أن الأيام فرصة ذهبيّة لأن يكون الشعراء والأدباء في البيت الثقافي الروسي من أجل الشعر والثقافة والآداب الفلسطينيّة التي حفظت التاريخ والجغرافيا والعادات والتقاليد، منوهاً بالجهود الثقافيّة التي تبذلها الأكاديميّة في ظل ظروف عاشها ويعيشها الفلسطينيّون، اليوم، وهم يكفكفون الألم والدمع بيد ويواجهون العدو المتوحش بيد ثانية سواء بسواء في الوطن الفلسطيني المحتل وفي المنافي القريبة والبعيدة.

المقاومة ليست بالسلاح فقط

وبيّن الشاعر الفلسطيني صالح هواري لـ”البعث” أن إقامة الأيام كل عام فرصة لإبراز قضية فلسطين للعالم وبيان الكفاح الفلسطيني المستمر الذي لن ينتهي، وتأكيد أن فلسطين في قلوب أبنائها وبكلماتهم التي تشبه رصاصاً في بندقية إلى أن تتحقق العودة وينال الشعب الفلسطيني حريته، حيث الكلمة الحقيقية التي تنبع من القلب تصل إلى القلب، والشعر الحقيقي هو شعر المقاومة من أجل أن تتحقق الحرية وأن المقاومة ليست بالسلاح فقط.

حتمية الانتصار والتحرير

ولأن الشاعر السوري لم يغب يوماً عن القضيّة الفلسطينيّة، أكّد الشاعر الدكتور نزار بريك هنيدي أنّه منذ أن بدأ تنظيم أيام الثقافة الفلسطينية في دمشق، بمبادرة مهمة من عدد من الشخصيات الاعتباريّة والمثقفين والأدباء الذين اختاروا يوم مولد الشاعر محمود درويش يوماً للثقافة الفلسطينيّة، وهو شديد الحرص على المشاركة فيها، وقد قدّم في العام الماضي محاضرة خاصة عن تاريخ الشعر الفلسطيني في العصر الحديث، ليشارك هذا العام بقصيدة عن بطولات أهلنا في غزة وهم يتصدّون لأبشع حملة عنصريّة همجيّة أمام أنظار العالم كله، مع تأكيده أن أصوات الشعراء مهما علتْ لن تكون في مستوى التضحيات والبطولات التي يقدّمها أهلنا في فلسطين، ولكن يكفي أن يعبّر شعره وشعرهم عن الثقة بحتميّة الانتصار والتحرير.

كما أوضح الدكتور راتب سكر أن مشاركته في المهرجان تواصل وجداني مع سيرة حياة شخصية لم تكن منفصلة عن سيرة القضية الفلسطينية، فجيله ورث حكايات فلسطين منذ استشهاد الشيخ القسام عام ١٩٣٥ وما تلاه امتداداً إلى ثورة عام ١٩٣٦ التي استشهد في معاركها سعيد العاص، وصولاً إلى أيامنا التي ربطت تفاصيلها بيوميات غزة الصابرة، مبيناً أن ما قُدِّم في المهرجان يؤكد اندماج حياتنا بمسارات أمة عصية على الإبادة، ومنوهاً بأن ذاكرتنا العربية عامّةً والسورية خاصّةً طافحة بالصّلات المتفاعلة مع القضيّة الفلسطينيّة منذ جيل آبائنا والأسبق من ذلك، وهذا التفاعل مع الموضوع الفلسطيني متّصل بقضايا كثيرة في مقدّمتها التفاعل مع النضال الفلسطيني في مواجهة العدوان والاحتلال الصهيوني ومع خصوصيّة فلسطين في الذاكرة العربيّة، فالقدس هي مكان أسير في قلوب العرب والعالم، مؤكداً أن الدور الفلسطيني الثقافي كان مؤثراً جداً في تشكيل الذاكرة الثقافيّة العربيّة حديثاً وقديماً، فاختار الشعراء المشاركون من قصائدهم الجديدة ما يعبّر عن تفاعلهم مع الموضوع الفلسطيني، وهو تفاعل ليس جديداً في الشعر السوري والشعر العربي، فالقضيّة الفلسطينيّة منذ مطالع القرن العشرين بدأت تكون موضوعاً رئيساً من موضوعات الشعر وتشكيله الفنّي.

وجسّد الشعراء قاسم فرحات ورضوان قاسم وأحمد العموري من خلال مشاركتهم في المهرجان قول محمود درويش: ما هو الوطن؟ ليس سؤالاً تجيب عليه وتمضي إنه حياتك وقضيتك معاً… حيث لم يتوقف الشاعر فيهم يوماً عن استخدام شعرهم للحديث عن الهمّ الفلسطيني والقضية الفلسطينية والمجازر التي قام ويقوم بها العدو الصهيوني، عسى تكون كلماتهم عند حسن ظنّ المقاومين وفلسطين.

يذكر أن الفلسطينيّين يحتفلون بيوم الثقافة الوطنيّة الفلسطينيّة في الوطن والشتات وهو اليوم الذي يصادف ميلاد الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش من خلال تنظيم فعاليات ومهرجانات ثقافيّة وفنيّة.