صحيفة البعثمحليات

في حضرة رمضان.. احترام الآخر يصحح العلاقة الاجتماعية ويضبط إيقاع الخلاف والاختلاف

البعث – محرر المحليات

يوميات شهر رمضان الفضيل مليئة بالقيم والمعاني الإنسانية التي تفرض نمطاً معيناً من العلاقات الاجتماعية بين الناس، ولكن للأسف هناك من يتغاضى عن ذلك تحت عناوين مختلفة، والدليل أن هناك منشورات عديدة في الفيسبوك ذات طبيعة اجتماعية تؤدي لاحتدام معارك الشتم في التعليقات الموجودة أسفلها فقط لمجرد اختلاف آراء متابعي المقال، وفي جميع الأحوال لا يستخدم غالبية المتحاورين الأدلة العلمية، أو المنطقية لإثبات وجهات نظرهم، في حين يهرب البعض الآخر من ترك تعليقه المنطقي خوفاً من تعرضه للشتم أمام الآخرين، فما سبب غياب ثقافة الحوار واحترام الآخر لدى بعض أفراد المجتمع، بل وعدم احترامهم لحقوق غيرهم، فقد تطلب من ميكرو سرفيس التوقف للصعود على متنه، ولدى توقفه تفاجأ بأن شاباً آخر دفعك، واحتل المقعد الوحيد المتبقي، دون أي احترام لأحقيتك!

الدكتور أحمد الأصفر، جامعة دمشق، كلية الآداب، قسم علم الاجتماع، أوضح أن طبيعة العلاقات الاجتماعية التي يقيمها الأفراد مع بعضهم صورة لمستوى التطور الثقافي والحضاري لمجتمعاتهم، ويشكل احترام الآخر النموذج الأكثر أهمية في هذه العلاقات، بما يحمله من احترام لحقوقه المادية والمعنوية والثقافية أيضاً، وبالمقابل فإن تراجع قيم احترام الآخر في الوعي الاجتماعي للفرد سيؤدي إلى تراجع قيمه الإنسانية والأخلاقية، إن أولوية المصالح والمنافع الذاتية، وجعلها في مقدمة الاهتمامات التي يعيشها الفرد يعدّ ضرورة حياتية، ولكن دون إن يترتب على تحقيقها ضرر بالآخرين، ففي ذلك دلالة على تراجع الطبيعة الإنسانية للفرد، لتخليه عن المبادئ الأخلاقية والإنسانية التي تميزه عن الكائنات الأخرى، وأهم ما يميّز الإنسان هو احترامه للآخرين، والبحث عن مصالحه ومنافعه بما لا يلحق الضرر بهم، أو بحقوقهم المختلفة، أما الكائنات الحيوانية مثلاً فتسعى لضمان مصالحها دون النظر لمصالح غيرها، ومتى أصبح الفرد يسعى إلى ضمان مصالحه، وحقوقه دون النظر إلى ما يترتب على ذلك من ضرر يمسّ مصالح الآخرين، فإنه بذلك سيسلك سلوك الكائنات الحيوانية التي تعيش في الغابات، بل ويكون أشد خطراً منها على أبناء جنسه، لأنه أوسع الكائنات حيلةً.

من جهة أخرى فقد حقق الإنسان خلال تاريخه الطويل قفزات نوعية كبيرة في التطور التقني والمادي، وسرعان ما وجد آثار ذلك في حياته المعيشية والاجتماعية، فساهم تطور وسائل الإنتاج في تحقيق الوفرة الاقتصادية، التي مكّنت الكثير من الدول والمجتمعات الإنسانية من تحسين مرافق حياتها، ومصادر قوتها ومُنعتها، غير أن ذلك لم يقترن مع تطور أخلاقي مناسب، فمست مظاهر التطور بيئة الإنسان المحيطة به من وسائل اتصال، ورفاهية الإقامة، ومستويات معيشية متطورة، ولكن الإنسان في ذاته لم يتطور، لأن المظاهر اللا إنسانية كالقتل، والفساد، والسرقة، والاختلاس، والاحتيال وغيرها، وكل ما يدلّ على غياب احترام الفرد لغيره، مازالت قائمة في المجتمعات المعاصرة، كما كانت في ماضيها القديم، وإذا كان تطور الحضارة في التاريخ الإنساني رهناً بالقيم الإنسانية السائدة في وعي الناس، فإن العلاقة مع الآخر تشكل الأساس والمعيار الأكبر في هذه القيم، ومع رسوخها في الوعي، تصبح مظاهر الفساد والجريمة والاستحواذ وحب السيطرة والاستئثار ضعيفة الانتشار في المجتمع، وتتحقق لدى الفرد مستويات عالية من الصفات الإنسانية التي تميّز وجوده عن باقي الكائنات الحية، ويصبح من أصحاب المبادئ الذين ينتجون حضارات بلادهم، ويسهمون في تطوير مجتمعاتهم، وتصبح القوانين، والأعراف والتقاليد التي من شأنها حماية المجتمع هي المرجعية التي يعتمد عليها أفراد المجتمع في سلوكياتهم، وفي علاقاتهم مع الآخرين، وتلبية احتياجاتهم.

تراجع خطير
وأشار الأصفر إلى أن تراجع القيم الأخلاقية، وفي مقدمتها قيمة احترام الآخر، سيؤدي إلى انتشار مظاهر الفساد بأشكاله المختلفة، وسيتحول الفرد إلى آلة تلتهم منتجات الحضارة، وتدمر المجتمعات التي ينتمون إليها، ويعيشون فيها، وتصبح القوانين، والأعراف، والتقاليد بالنسبة إليهم شعارات يتجملون بها في مجالسهم فقط، ولكنهم يتحايلون عليها كلما وجدوا الفرصة المناسبة لذلك، بل ويعملون على تعطيلها، والحدّ من دورها في تنظيم العلاقات الاجتماعية، والتجارية في المجتمع، الأمر الذي يؤدي في أغلب الأحيان إلى أن يصبح القانون الناظم لحياة الناس، هو قانون الغاب، حيث يملك القوي القدرة على انتهاك كل حقوق الآخرين فقط لأنهم ضعفاء، دون أي اعتبار للمبادئ والقيم الأخلاقية، والإنسانية، والاجتماعية، والدينية.