دراساتصحيفة البعث

إبادة جماعية وعمليات إجلاء وإحلال صهيوني

ريا خوري  

لم يتوقّف الكيان الصهيوني عن ممارساته الوحشية ضدّ الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث تشكِّل حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها، وتوسّع عمليات الاستيطان على نطاق واسع لمدن وقرى في الضفة الغربية، مترافقة مع ممارسات المستوطنين الوحشية واقتحامات قوات الاحتلال الصهيوني، كل ذلك يشكِّلُ وجهاً واحداً للنهج والسياسة الصهيونية الأمريكية الأوروبية الداعمة إلى أبعد الحدود، تلك السياسة التي تسعى إلى اجتثاث الشعب الفلسطيني واقتلاعه من أرضه تنفيذاً لاستراتيجية الإخلاء والإحلال التي تسير وفق أيديولوجيا تلمودية ظلامية لا تعترف بالأرض الفلسطينية وإنما تسمّي الضفة الغربية (يهودا والسامرة).

لم تخفِ حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرّفة موقفها من الشعب الفلسطيني الذي يرتكز إلى مقولة (أرض بلا شعب، لشعبٍ بلا أرض). فقد تزايدت الدعوات لتحقيق تلك المقولة وفق ما قاله وزير المالية اليميني المتطرّف بتسلئيل سموتريش الذي دعا إلى قصف غزة بالقنابل النووية وإبادة الشعب الفلسطيني كلّياً.

إنَّ ما سعت إليه حكومة نتنياهو من خلال الموافقة على إقامة نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية يشكّل تحدّياً صريحاً ووقحاً للرأي العام العالمي والقانون الدولي، ويؤكد أن تلك الزمرة الحاكمة في الكيان تتعمَّد استمرار دوامة التدمير والعنف والخراب وانتهاك حقوق الإنسان، وتعرقل كل الجهود التي (تحاول) القيام بأي جهد (عملي) يؤدّي إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة وعودة جميع أهالي قطاع غزة إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم وممتلكاتهم، مع مواصلة حرب الحصار والتجويع والقتل الوحشي والدمار شبه الشامل.

ولأن توغّل الكيان الصهيوني في الأرض الفلسطينية وانتهاجه عمليات الاستيلاء على مزيد من أراضي الفلسطينيين والقيام بعمليات الاستيطان الجديدة التي تعدّ مخالفةً لقرارات الشرعية الدولية، فإنها تهدِّد بالمزيد من التصعيد والتوتر في المنطقة، وتعيق كل جهود تحقيق السلام والاستقرار، وللأسف الشديد لم نجد دولة قد أدانت قرار حكومة نتنياهو اليمينية، وأعربت عن رفضها لجميع الإجراءات التي تستهدف تغيير الوضع القانوني والتاريخي القائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

إن الدول المناصرة للقضية الفلسطينية تعمل على تجديد وتأكيد مواقفها الدائمة في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة في أرضه التي كفلتها كل القوانين والتشريعات والقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والتي صدرت عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، وكل المنظمات والهيئات الدولية.

لم تتوقّف حكومة الكيان الصهيوني اليمينية عن العمل على بذل كل ما تملكه من جهود لجعل قيام دولة فلسطينية أمراً مستحيلاً من خلال الإسراع في الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان وعمليات التهويد المستمرة، بحيث لا يبقى من أرضٍ عربية لإقامة الدولة الفلسطينية المحتملة، حيث يتم التهام الضفة الغربية وسرقة أراضيها ومصادرة مياهها وخيراتها بشكلٍ متسارع من خلال تغيير  ديمغرافيتها وجغرافيتها، حيث يوجد الآن في الضفة الغربية وحدها مائة وست وسبعون مستوطنة، بما فيها المستوطنات المشيّدة على أراضي مدينة القدس، ومائة وست وثمانون بؤرة استيطانية يسكنها نحو سبعمائة وثمانية وعشرين ألف مستوطن، أي ما مساحته 42% من أراضي الضفة الغربية، في حين يلجأ الكيان الصهيوني من خلال قوات الجيش وأجهزة الأمن (الشين بيت، وشعبة أمان الاستخباراتية، والموساد) إلى ترهيب أهالي الضفة الغربية بمهاجمتهم يومياً وعلى مدار الساعة، واقتلاع أشجار الزيتون وردم الآبار وهدم منازلهم ومصادرة أراضيهم لحملهم على الرحيل دون رجعة. وقد رسّخت السياسة الصهيونية الاستيطانية مشروع تفتيت الضفة الغربية وتجزئتها وتقسيمها وعزل المواطنين الفلسطينيين في مناطق محاصرة من معظم الجهات في مناطق محدودة المساحة ومقطّعة الأوصال، والتضييق على الشعب الفلسطيني من خلال مئات الحواجز العسكرية بين القرى والبلدات والمدن الفلسطينية.

وفي سياق المخططات الصهيونية الهادفة إلى إلغاء الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، وافقت حكومة نتنياهو خلال العام الماضي على إقامة ثمانية عشر ألف وخمسمائة وخمسة عشر وحدة استيطانية،وهو أكبر عدد من الوحدات الاستيطانية  على الإطلاق تم تنفيذه خلال عام واحد فقط.

لقد أدّت جميع عمليات التهجير والإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها الكيان الصهيوني وفق نهج منظم، إلى نزوح عدد كبير من أبناء شعبنا الفلسطيني حيث وصل عدد النازحين من الضفة الغربية منذ بدء الحرب الوحشية على قطاع غزة نحو ثمانية آلاف وستمائة وسبعة فلسطينيين وفقاً لمنظمة (السلام الآن) معظمهم من الأطفال والشيوخ والنساء، كما اضطرّ أكثر من ألف وثلاثمائة فلسطيني إلى مغادرة أراضيهم خلال العام ونصف العام الماضيين، في عملية إجلاء وإحلال منظمة، وكل ذلك يجري تحت أعين العالم الذي أدار ظهره للقوانين والتشريعات الدولية وحقوق الإنسان.