دراساتصحيفة البعث

“ناتو” يعيش حقبة الحرب الباردة التي أوجدها

عائدة أسعد

احتفلت منظمة حلف شمال الأطلسي “ناتو” بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسها مؤخراً في بروكسل، ووجب التنويه هنا إلى أنه ينبغي أن يكون لدى أيّ منظمة دولية بهذا الحجم ولها تاريخ طويل، الكثير لتقوله في مثل هذه المناسبة، ومع ذلك فإن ما قاله المتحدّثون الرئيسيون أثبت أن الكتلة لا تزال تعيش في حقبة الحرب الباردة التي وُلدت فيها.

لقد استُخدم حلف شمال الأطلسي باعتباره امتداداً عسكرياً فعلياً لخطة مارشال، كأداة في يد الولايات المتحدة للدفاع عن هيمنتها، حتى بعد اختفاء الاتحاد السوفييتي، وهو السبب المفترض لوجوده، وبالتالي فإن ما يسمّى آلية الأمن الجماعي عبر الأطلسي ليس أكثر من مجرّد ورقة توت تغطي الدور الحقيقي الذي يلعبه حلف شمال الأطلسي باعتباره أداة قاسية للولايات المتحدة.

ووصف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الناتو بأنه “تحالف دفاعي ليس له مخططات على أراضي أي دولة أخرى”، لكن ما لم يكلّف نفسه عناء ذكره هو أن الولايات المتحدة تستخدم حلف شمال الأطلسي لدعم أنظمة عميلة لممارسة نفوذها في بلدان أخرى.

ومع عدم وجود تهديدات أمنية محسوسة، فإن التوسّع المستمر للكتلة من 12 عضواً مؤسّساً إلى 32 عضواً اعتباراً من الشهر الماضي، الذي لم ينهِ فترة شهر العسل مع روسيا فحسب، بل أدّى أيضاً بشكل مباشر إلى أزمة أوكرانيا المستمرة، هو دليل على شهية الولايات المتحدة التي لا تشبع ونهمها على السلطة.

إن دعوة جميع حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وجمهورية كوريا، لحضور اجتماع وزراء خارجية الناتو في بروكسل يومي الأربعاء والخميس، يجب أن تكون بمنزلة تنبيه العالم إلى تسارع الكتلة في توسعها إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ – وهو جزء أساسي من خطط إدارة جو بايدن لحلف شمال الأطلسي والتي تحاول الانضمام إلى تحالفاتها الأمنية الثنائية وآلياتها الأمنية الإقليمية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، مع حلف شمال الأطلسي.

ومع مواجهة أوروبا لأكبر صراع عسكري منذ الحرب العالمية الثانية، والعلاج بالصدمة لإعادة إحياء منظمة حلف شمال الأطلسي “الميتة دماغياً”، يتعيّن على كل دول المنطقة أن تكون يقظة في مواجهة المحاولات التي تبذلها الولايات المتحدة لتحويل آسيا والمحيط الهادئ إلى مطحنة حربها، وطبعاً من العار على أعضاء الناتو أنه بدلاً من أن تسعى المنظمة إلى مساعدة العالم في مواجهة التهديدات الأمنية الحقيقية، مثل الإرهاب، تعمل على تضخيم التهديد المفتعل من الولايات المتحدة من الصين.

ولإضفاء الحيوية على أجواء حفل استقبال وزراء خارجية الناتو، عرضت سفيرة الولايات المتحدة لدى الناتو، جوليان سميث، أول كتاب طبخ للكتلة نُشر في عام 1957، بالإضافة إلى قائمة طعام لحفل الاستقبال في ذلك اليوم تتضمّن التخصصات والطعام الخاص لكل عضو من الأعضاء المؤسسين لحلف الناتو البالغ عددهم 12 عضواً.

إن ذلك لم يكن تذكيراً دقيقاً بتصريحات بلينكن في مؤتمر ميونيخ للأمن قبل شهرين، عندما قال: “إذا لم تكن على الطاولة في النظام الدولي، فسوف تكون على القائمة”، بل عزّز فكرة مفادها أن آلة الحرب الأميركية، وبالتالي منظمة حلف شمال الأطلسي، تحتاج إلى عدم وجود البعض على الطاولة، حتى يكون لديهم قائمة طعام يطبّقون بها نظام الأمم المتحدة.