دراساتصحيفة البعث

التكيّف مع الفشل؟

أكثر من ستة أشهر مرّت على معركة طوفان الأقصى ولم يغيّر قادة الحرب الصهاينة من لهجتهم وأهدافهم المعلنة من الحرب الإجرامية التي شُنّت على سكان غزة تحت عنوان القضاء على حماس والجهاد الإسلامي والسيطرة على غزة واستعادة ما سمّي المختطفين والمحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، ومع مرور كل هذا الوقت على حرب الإبادة التي شُنت على الشعب الفلسطيني ولاسيما في غزة فإن أيّاً من بنك الأهداف التي تحدّث عنها قادة الحرب لم تتحقّق، فالجيش الصهيوني لم يستطع احتلال كامل قطاع غزة، وكذلك لم ولن يتم القضاء على المقاومة الفلسطينية، بل زادت تمسّكاً بدفاعها عن أرضها وشروطها لوقف القتال، إضافة إلى أنه لم تتم استعادة كامل المختطفين والأسرى باستثناء من تم الاتفاق على تبادلهم عبر الوساطات الخارجية والدخول على خطوط الصراع القائم، ولعل الهدف الوحيد الذي تحقق من تلك الجريمة المستمرة هو قتل وجرح عشرات آلاف الفلسطينيين والدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة نتيجة الهجوم الوحشي الذي شُن ويُشنّ عليها.

وأمام حالة الاستعصاء هذه يبرز السؤال المهم: ماذا بعدُ؟ وما هي الأوراق التي لم يتم استعمالها في تلك الحرب الإرهابية في ظل فشل واضح لحق بالعدو الصهيوني وشركائه، ولا سيما أن ثمة موقفاً دولياً رافضاً لذلك العدوان تم التعبير عنه من خلال مواقف دولية تمثلت في صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة يطالب بوقف العدوان ويدينه، وكذلك ما صدر عن محكمة العدل الدولية من قرارات تبنّت ما ورد في الشكوى والدعوى المقامة من جمهورية جنوب إفريقيا حول ارتكاب العدو الصهيوني جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وأخيراً وليس آخراً ما صدر عن مجلس الأمن الدولي بخصوص الطلب لأطراف الصراع وقف إطلاق النار وإطلاق سراح “الرهائن”، ناهيك عن المظاهرات التي خرجت من معظم دول العالم مندّدة بهذا العدوان الهمجي ومطالبة بوقفه، فنحن هنا أمام إرادة دولية معبّرة عن المجتمع الدولي ومن خلال مؤسساته، إضافة إلى رأي عام عالمي ينسجم ويتفق مع روح ومضمون تلك القرارات. ومع كل ما جرت الإشارة إليه ما زال الكيان الصهيوني مستمراً بعدوانه ويتحدّث عن تحقيق بنك الأهداف الذي حدّده بعد السابع من تشرين الأول مع أن كل معطيات الواقع تشير إلى استحالة تحقيق تلك الأهداف، وخاصة أن الداعم الرئيسي والمغذي الأساسي لذلك العدوان وهو الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ بمراجعة مواقفه الداعمة لما يقوم به الكيان الصهيوني بدليل ما يصدر عن مسؤوليها من تصريحات مضافاً إليها امتناعها عن التصويت في القرار الذي صدر عن مجلس الأمن قبل عدة أيام، وهو بالتأكيد لا يعدّ (صحوة ضمير) بقدر ما هو حالة عدم يقين بتحقيق العدو الصهيوني ما أعلنه من أهداف في عدوانه هذا، ومرور المدة  الزمنية التي حدّدها لتحقيق تلك الأهداف، وهي الأشهر الثلاثة في أسوأ الأحوال، إضافة إلى عدم جدوى التهديدات الأمريكية والمخاوف التي عبّروا عنها من ضرورة عدم توسيع دائرة الاشتباك وحصرها في قطاع غزة لجهة الاستفراد بالمقاومة الفلسطينية، ولكن تكريس قاعدة ومقولة وحدة جبهات المقاومة تحدّى تلك التهديدات والتهويمات الأمريكية وأفشلها، ما أربك الإدارة الأمريكية ووضعها أمام خيارات صعبة جعلتها تفتش عن أسباب للتخلص من عبء الفشل الذي وقعت فيه محاولة تبرير ذلك الفشل بتعنّت نتنياهو وشركائه في العدوان بعدم الاستجابة لمطالب البيت البيض ونصائحه بضرورة وقف إطلاق النار وعدم اجتياح رفح، لأن كلفة ذلك ستكون باهظة على الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية التي أدركت أن ما يجري في غزة سيكون مكلفاً لها، وهي على أبواب انتخابات رئاسية صعبة، حيث أصبح موضوع غزة وتداعياته عنصراً فاعلاً في البازار الانتخابي الأمريكي والمنافسة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي والاستقطاب الحاصل حول ذلك.

إن كل المؤشرات المتعلقة بما يجري في غزة وفي داخل الكيان الصهيوني تشير إلى أن المسألة باتت بالنسبة لنتنياهو وتحالفه المتطرّف قضية حياة أو موت سياسي ولم تعُد متعلقة بتحقيق أهداف عسكرية واستعادة المختطفين والأسرى والقضاء على المقاومة، وإنما معركة انتخابية وسياسية واستمرارية في الحكم، فوقف الحرب بالنسبة لهم يعني إعلان الفشل والسقوط السياسي والمحاكمة على التقصير في مواجهة ما حصل، إضافة إلى فتح ملفات الفساد الموجّهة لنتنياهو الذي كان يسعى للتملص والتخلص منها من خلال الحصانة القانونية التي يتمتع بها بوصفه رئيساً  للوزراء، وأن كيانه يعيش حالة طوارئ بسبب حالة الحرب القائمة، وهنا تصبح كل الخيارات مكلفة إن لم نقل مستحيلة في ظل حالة انسداد الأفق والمأزق الذي وقع فيه قادة الحرب الصهاينة وبحثهم عن مخارج للنزول عن الشجرة أو الحفرة التي وقعوا فيها، وهم مستمرون في الحفر بدل البحث عن خروج منها واجتراح طريقة لتبرير الفشل الذي أصابهم بفعل المقاومة الرائعة التي واجهوها من الجانب الفلسطيني  وحلفائه، وهنا لا سبيل أمامهم إلا التكيف مع الفشل والاعتراف بالهزيمة.

د. خلف المفتاح