مجلة البعث الأسبوعية

نسخة جديدة من كأس العالم على خط الانطلاق وجمهورنا على مقاعد المتفرجين.. القائمون على كرتنا عى محك إيجاد السبل الكفيلة بالوصول إلى المونديال القادم!

البعث الأسبوعية- ناصر النجار

اقترب موعد المونديال أكثر من ذي قبل، والأنظار تتجه اليوم إلى كأس العالم القادمة يترقبونه لحظة بلحظة وخبراً بعد خبر، كل ينظر من زاويته أو حسب اهتمامه ورؤيته، من المؤكد أن المتابعة تركز في الوقت الحالي على النجوم التي ستشارك بهذه البطولة العالمية أو النجوم الغائبة، ولا شك أن التوقعات بدأت تأخذ جزءاً كبيراً من الاهتمام والمتابعة.

العرس العالمي يشبه سوق عكاظ بالعرف العربي القديم فهو ملتقى الكرويين في العالم، وهو سوق حقيقي يعرض فيه كل منتخب بضاعته من مدربين ولاعبين وخطط وأفكار جديدة.

من هذا المنطلق ندرك أن كرة القدم ليست عبارة عن رياضة فقط بل هي أبعد من ذلك بكثير، فهي علاقات اجتماعية أخلاقية تجمع الكرويين في كل دول العالم مع مشجعيهم في بقعة جغرافية يتم التواصل فيما بينهم تحت جسور الأخلاق الرياضية لتنمية هذه العلاقات وفتح أبواب التواصل من خلال كرة القدم، فالرياضة تجمع ولا تفرق والدليل على ذلك أن العالم بكل مكوناته وأطيافه يستنفر في هذا الشهر الكروي ليتابع هذا العرس الكبير كلٌ في مكانه ومن أتاحت له ظروفه الحضور شخصياً كان من أسعد الناس في هذا المجمع الكروي العالمي.

وهذا الأمر بكل تفاصيله يجب أن ينعكس على واقعنا الكروي الحالي وأن نقلد كرويي العالم بهذه الجزئية المهمة، فإن كنا لا نستطيع تقليدهم بفنون الكرة وإبداعاتها وجمالها في الوقت الحالي، فيمكننا تقليدهم بالأخلاق الرياضية سيما أننا منبع هذه الأخلاق وقد صدرناها إلى العالم أجمع فتركناها وتمسك بها الآخرون، ولا نجد ضيراً في التحلي بهذه الصفات النبيلة فنجعل من الرياضة ملتقى يجتمع فيه الرياضيون يتنافسون ويتحاورون بمجمل القضايا الرياضية بود ومحبة بعيداً عن التعصب الأعمى الذي يؤدي بدوره إلى الضرر والأذى ولا تجني منه رياضتنا إلا الشقاق والمزيد من الخلاف.

حوارات مطلوبة

من المفيد أن تبدأ الحوارات الهادفة من خلال تبادل الأحاديث الرياضية الودية بين جماهير الأندية المختلفة وتكريس لغة الرياضة المبنية على عاملي الفوز والخسارة وتقبلها وسط كل الظروف، وتكون مبادئ الأخلاق الرياضية المنطلق الرئيس في كل هذه الحوارات.

ما نراه اليوم أمر يندى له الجبين من خلال تبادل الشتائم وتقاذف التهم بين جمهور هذا النادي وذاك ليصل الأمر حد الالتحام بين الجماهير في الملاعب والصالات لأسباب غير مبررة وبعيدة كل البعد عن الأخلاق الرياضية.

لا ننكر أن حدة الشغب في الملاعب والصالات انخفض وتيرتها بشكل جيد ومبشر في الآونة الأخيرة وهذا يبعث على التفاؤل ويشكل نقطة انطلاق يمكن البناء عليها وصولاً إلى تشجيع هادف وإلى مفهوم الرياضة تجمع ولا تفرق قولاً وفعلاً.

الحوار الرياضي البناء يجب أن يبدأ من إدارات الأندية وأن تقوده نحو لحمة رياضية جميلة، فعندما نجد أن الإدارات تتبادل الزيارات فيما بينها بكل المناسبات، وعندما نجد الفريقين ينزلان أرض الملعب سوية وأيديهما بأيدي بعض، فإن هذه الحالات الإيجابية سينتقل عدواها إلى الجمهور في كل مكان.

بمثل هذه الإجراءات يتم تقليص التوتر الحاصل بين القلة من الجماهير ويتم اختصار الشغب إلى درجاته الدنيا، أما أولئك الذين يصرون على بث الفتن وافتعال الشغب فيمكن اقتلاعهم بسهولة وسط هذا التعاضد والتعاون بين الأندية.

من المأمول أن نرى مدرجات نظيفة من الشغب خالية من التعصب الأعمى، تواكب فرقها وتشد من أزرها وتشجعها بأسلوب حضاري، كما نشاهده في الكثير من الدوريات العالمية والعربية، وآن الأوان لنبذ كل حالات الشطط المفتعلة وعدم الانسياق نحو المبررات التي تتهم القرار التحكيمي أو اتحاد الكرة أو غيرهما لأن كل ذلك لا يفيد ويزيد الطين بله والمشكلة تعقيداً، ونحن نتمنى أن يكون الجمهور نعمة على فريقه لا نقمة حتى لا يجر الويلات على النادي من العقوبات والغرامات المالية التي تثقل كاهل الفرق.

السياحة الرياضية

الرياضة على وجه العموم وكرة القدم على وجه الخصوص تُنمي كل القطاعات الأخرى وتدخل في كل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، لذلك يمكننا الحديث عن السياحة الرياضية وهي نوعان سياحة داخلية وسياحة خارجية، فكل المباريات تساهم في تنشيط السياحة بشكل مباشر، فعندما ينتقل جمهور من مدينة لأخرى ليشجع فريقه فإن ذلك عامل مهم في تنشيط السياحة من خلال استثمار المرافق العامة واستعمال الفنادق وشراء الهدايا والحاجيات، والسياحة الخارجية تكون فائدتها أكبر من خلال السياح الرياضيين القادمين من بلاد شتى.

من هنا ندرك أهمية النشاط في تحريك الأسواق التجارية وزيادة حجم المبيعات وتنشيط السوق بحركة بيع جيدة تصبح دائمة بدوام النشاط الرياضي وتستثمر في هذا المجال كل المرافق السياحية في حال كان النشاط خارجياً فتنشط كل المرافق السياحية بدءاً من الفنادق إلى المطاعم إلى الأماكن الأثرية والسياحية.

وهذا أحد آثار الحركة الرياضية، ولا شك أن كل ذلك يساهم بزيادة فرص العمل بالكثير من الاختصاصات غير الرياضية عندما تنشط الرياضة وتتحرك خارج ميدانها المفترض.

فرص الاستثمار

هذا الحديث يقودنا إلى الاستثمار الرياضي واغتنام كل فرصه، عندما نتكلم عن كأس العالم ومنتخباته ولاعبيه والأندية التي جاؤوا عليها، علينا أن ندخل في تفاصيل مهمة جداً، تفاصيل داخلية لا تظهرها عدسات الكاميرات، فأكثر الأندية في العالم أجمع ومنها العديد من الأندية العربية اتجهت إلى الاستثمار الرياضي عبر الصناعة الرياضية إضافة لوسائل الاستثمار المعروفة كالشركات الراعية والإعلان والإعلام بمختلف اتجاهاته واستثمار الأماكن سواء كان المشروع فيها رياضياً أو ترفيهياً أو تسويقياً، هذه الاستثمارات دخلت بعضها أنديتنا وإن كانت خبرتها الضعيفة في هذا المجال أوقعتها بإشكالات قضائية وشبهات كثيرة، لكن الاستثمار الفاعل الذي لا تلتفت إليه أنديتنا حتى الآن هو الصناعة الرياضية وهذه الصناعة تتعلق بمحوريين أساسيين، أولهما صناعة اللاعبين من خلال العناية بهم من الصغر وتأهيل المواهب والخامات ليتم بيعها والاستفادة من هذه العمليات التجارية في دعم خزينة النادي وتوفير السيولة المالية التي تحرك العمل الرياضي بمختلف رياضاته وأجزائه الأخرى المساعدة.

وثانيهما تصنيع المنتجات الاستهلاكية باستثمار شعار النادي من خلال الترويج لبضائع مستهلكة تدر على النادي مردوداً كبيراً تجعله في بحبوبة وفائض ليقوم بمهامه الرياضية على أكمل وجه دون أي ضغوط نفسية وعصبية ومناوشات قضائية ومطالبات من هنا وهناك.

المقارنة في كرة القدم بين كرتنا وكرة الآخرين مقارنة ظالمة لنا ولكرة القدم على وجه الخصوص، نحن مازلنا في البدايات ولم نبدأ الخطوات الصحيحة في هذا العالم المشوق الجميل، الآخرون حفظوا أبجدية كرة القدم وقواعدها والطرق التي تصل بهم إلى النجومية وإلى الفائدة الفنية والمالية.

كل العالم رابح مع كرة القدم إلا كرتنا فهي خاسرة، والسبب في ذلك أنها كرة عشوائية تفتقر إلى الأبجدية التي بنيت عليها الكرة الجميلة.

فإذا قمنا بجولة في أنديتنا نجد أنها سراديب تقودنا إلى الظلمات، تتغذى على الفتن والخلافات، ومن المؤسف ألا نجد الكثير ممن هم بموقع المسؤولية في كل المناصب الرياضية صغيرها وكبيرها متصالح مع نفسه، الكل يغوص في مستنقع الأنا ويسعى إلى خلق المشاكل ليعيش عليها.

كل أنديتنا مديونة ومفلسة، القليل جداً من الأندية تعتمد على موارد ثابتة، حتى هذه الموارد تبقى غير كافية لبناء الرياضة الاحترافية المطلوبة التي يمكن أن تصل بنا إلى مصاف الكبار لنتأهل إلى كاس العالم ولنكون ضمن الكوكبة الذهبية التي ستسلط عليها الأضواء في هذا العرس الكروي وسيتحدث الآخرون عنها.

مجال للتعريف

فرصة الوصول إلى كأس العالم ليست غايتها تقديم كرتنا وليست غايتها الأساسية منافسة كبار الكرة العالمية، إنما غايتها العظمى تقديم سورية بكل شيء، التعريف عن بلدنا أرضاً وشعباً عن تاريخنا وعن حضارتنا وعن كل شيء جميل في البلد، ألم نقل أن كأس العالم مثل سوق عكاظ؟

في كأس العالم سينتشر اسم بلدنا في كل القارات، وسيتساءل الكثيرون عن سورية وعن موقعها وتاريخها وعن عاداتها وعن تفاصيلها، لذلك عدم تأهلنا إلى كأس العالم ليس خسارة لنا على الصعيد الكروي والرياضي بشكل عام فقط، بل خسارته أكبر بكثير من هذا المفهوم.

نحن لا نمارس كرة القدم، نمارس شيئاً يشبهها، نعيش حول الكرة المستديرة ولا ندري في أي اتجاه نركلها!

كأس العالم اليوم في بقعة جغرافية صغيرة، ونحن حتى الآن على مقاعد المتفرجين، نراقب ونتابع ونشجع عن بعد، ونقيم السهرات على صيحات الآخرين نشجع الأصفر والأحمر والأبيض والأخضر، كل الألوان حاضرة في كأس العالم إلا لون منتخبنا.

من هذا المنطلق نأمل من كرتنا أن تستفيد مما ترى، ونأمل من القائمين على كرتنا أن يبحثوا عن السبل التي توصلنا إلى كأس العالم القادمة، أمامنا أربع سنوات قادمة، فهل نعمل منذ الآن لتحقيق هذا الهدف أم إننا سنبقى نغوص في الجزئيات الصغيرة التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟