العمر المفترض للاعب كرة القدم يدخل في خانة الحسابات الدقيقة والتطور العلمي
البعث الأسبوعية-سامر الخيّر
اشتهر حارس المرمى الإيطالي الأسطوري دينو زوف والذي تصدى لكل أنواع التسديدات التي أطلقت نحو مرماه، بمقولته وهو في الحادية والأربعين من عمره يوم اعتزاله اللعب الدولي مع المنتخب الإيطالي، حيث قال: “الكبر في السن شيء لا يمكن أن أتصدى له”، واليوم استطاع العديد من اللاعبين كسر هذه المقولة، فهم ما يزالون يقدمون أداء ندياً جداً لا يزاحمهم عليه زملاؤهم الأصغر عمراً، والأمثلة كثيرة كالأرجنتني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو والسويدي زلاتان إبراهيموفيتش وليس آخرهم الكرواتي لوكا مودريتش، فكيف حافظوا هم وغبرهم على جاهزيتهم البدنية وهم الذين يلعبون تقريباً كل المباريات في كل المواسم؟ ناهيكم عن استمرارية الدافع والقدرة على تحفيز النفس مراراً وتكراراً من أجل الفوز رغم نجاحاتهم في سنواتهم السابقة.
تساؤلات تفتح مجالاً واسعاً للبحث عن نوعية التحضير البدني الذي يستخدمه ونمط الحياة بشكل عام سواء من تغذية أو سلوك خارج الملعب حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه، فمن أهم أسباب اعتزال معظم لاعبي كرة القدم في النصف الأول من الثلاثينات هو أن العضلات تصل إلى مرحلة لا تتحمل فيها نفس الجهد الذي كانت تتحمله في عشرينات اللاعب، ولذلك تلحظ أن اللاعبين الذين يبرزون في سن مبكرة يتراجعون في عمر أبكر من البقية كروني وراؤول وأوين.
ولم يتحسن العمر الإفتراضي للاعبي كرة القدم فقط وإنما عند جميع الرياضيين، فأصبحت مسيرتهم أطول بفضل التقنيات الجديدة وتحسن نظام التغذية إلى الأفضل، والتطور في الطب الرياضي، وهو ما جعلهم أكثر قدرة على تقديم أداء رفيع المستوى في سن متقدمة عما كان نظرائهم في الماضي اللذين كانوا يدخنون ويشربون الكحول، طبعاً كل ذلك مشروط بأن تكون لدى اللاعب الرغبة والتركيز على اللعب والأداء، فقد قال ابراهيموفيتش عندما كان عمره 34 عاماً في مقابلة على موقع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا”: ” السن مجرد رقم شعوري الآن هو أفضل شعور لي في حياتي، ولدت عجوزاً وسأموت شاباً”، طبعاً لا يمكن لأحد تجنب التقدم في العمر حتى أفضل لاعبي كرة القدم، ولكن اللاعب الذكي الذي يعرف ما تتطلبه المرحلة والنادي الذي يناسب هذه المرحلة وكيفية التعاطي مع الإعلام والجماهير ليكسبهم في صفه حتى في الأوقات التي ينخفض فيها مستواه، ليلتمسوا له العذر ولا يجعلوا من تقدم عمره أسطوانة أو حجة لمطالبته بالإعتزال والتوقف عن اللعب.
عملياً تبدأ الوظائف الأساسية في جسم الإنسان بالإنخفاض بعد وصوله لسن الثلاثين، فمعدل الكفاءة في استهلاك الأكسجين يكون في ذروته في العشرينيات كما أن معدل نبضات القلب يبدأ بالانخفاض بعد سن الـ32، وتبدأ الرئتين تعاني من المجهود الكبير بداية من عمر الـ35، ويكون الإنسان في أقصى قدراته على الجري وتحمل التعب والجهد الناتج عنه عند بلوغه عامه الـ22، لذلك فإن العمر الأفضل من الناحية البدنية للاعب كرة القدم يكون بين الـ21 والـ23.
وإضافةً إلى الجانب البدني للتقدم بالعمر نقطة إيجابية وحيدة تساعد في تمكين اللاعب من التحمل أكثر أوقات المباريات، حيث يصبح أكثر نضجاً من الناحية الذهنية وقادراً على التحكم في انفعالاته ومشاعره إضافةً لاكتسابه الخبرة التكتيكية، فيعرف متى يسخر موهبته ومتى يحتاج لقوة عضلاته ومتى يحتاج للراحة إضاعة الوقت، وبالتال العمر المثالي للاعب كرة القدم مرتبط بالقدرات البدنية والذهنية معاً، وكلما تقدم اللاعب في العمر يكسب خبرات أكثر وثقة أكبر وقوة ذهنية أعلى، ولكنه يتراجع بدنياً في ذات الوقت، لذلك فإن العمر المثالي للاعب كرة القدم يتراوح بين سن الـ27 والـ28.
وهناك عامل مؤثر غير البدني والذهني، هو مركز اللاعب ودوره في الملعب، فنادراً ما نرى جناحاً يلعب إلى ما بعد الـ35 من عمره، في حين أن قلوب الدفاع وحراس المرمى يمكن أن يستمروا في الملاعب حتى سن الأربعين دون أي انخفاض كبير في المستوى، والأمثلة على ذلك كثيرة كالحارس الإيطالي الرائع بوفون وزميله المدافع كيليني، ويوجد بعض اللاعبين الذين غيروا من مراكزهم مع تقدهم في العمر ليتناسب ذلك مع امكانياتهم البدنية، ومثال هؤلاء الويلزي ريان غيغز الذي انتقل من كونه جناحاً إلى اللعب في خط الوسط، والحال نفسه ينطبق على رونالدو الذي انتقل من كونه جناحاً إلى مركز رأس الحربة، بالتالي زاد عمرهم في الملاعب مع اللعب في مراكز تتطلب مجهودات بدنية أقل.
وإذا أردنا وضع خلاصة لما سبق فيمكن القول أن العمر ليس مجرد رقم في عالم كرة القدم، فلاعب كرة القدم يتأثر بتقدمه في السن ويصبح غير قادر على الجري والضغط وتحمل الجهد الكبير كما في بداية عمره المهني، ومن واصل اللعب إلى سن متأخرة فهو بالضرورة قد خفض معدل الجري وعدد دقائق اللعب، وطبعاً هناك لاعبون خرجوا عن هذه القاعدة نتيجة العزيمة والتدريب الكبير والمتواصل، وبسبب قدرتهم البدنية التي تميزهم عن باقي اللاعبين وتكيفهم مع قدراتهم الحالية وإدراكهم لحدود عطائهم وبالتالي يعرفون إمكانياتهم ويوظفونها في تقديم أكبر فائدة ممكنة لأنديتهم ومنتخباتهم.