مجلة البعث الأسبوعية

حقائق ووقائع حول تأثّر النظم البيئية للساحل السوري بالزلازل

البعث الأسبوعية  – مروان حويجة

 

برغم أنّ التأثيرات الزلزالية بكل أشكالها وتداعياتها ومخاوفها استأثرت بجلّ الاهتمام بما يخصّ التداعيات الحاصلة والمحتملة على المناطق البريّة “اليابسة” حيث أماكن السكن والنشاط البشري والحركة الاعتيادية للناس وملاذهم وأمانهم، ذلك أن الزلزال المدمّر وما تبعه من مئات الهزّات الارتدادية التي تمّ تسجيل غالبيتها العظمى في اليابسة ما صرف الأنظار نسبياً عن البيئة البحرية إلى حدّ كبير ،فلم يلقَ الجانب البحري من الكارثة الزلزالية الاهتمام والضوء والتوصيف العلمي  – كما يجب وينبغي – برغم تأثّر هذه البيئة والشريط الساحلي الشاطئي بالكارثة الزلزالية وتداعياتها على البحر وأحيائه وعامة المنظومة البيئية البحرية.

جنوح للدلافين 

” البعث الأسبوعية ” التقت الدكتور أمير إبراهيم / الباحث  في المعهد العالي للبحوث البحرية في جامعة تشرين الذي أوضح أنّه بفعل تموضعه الجغرافي فوق الحزام الزلزالي العربي الإفريقي النشط، يبقى الساحل السوري عرضة لمجموعة من التأثيرات التي تطال النظم البيئية بأشكال مختلفة. و أنّه عقب زلزال 6 شباط تمّ رصد بعض التأثيرات على الكائنات الحية البحرية كان أولها ما حصل من جنوح لمجموعة من الدلافين (نوع الدلفين المنقاري Ziphius cavirostris) على السواحل القبرصية وذلك في فترة الأيام القليلة التي أعقبت الزلزال.

هذه الدلافين تمتلك جهاز سونار راداري للتوجه وتحسّس الأشياء المحيطة والتواصل ويعمل بالذبذبات الصوتية والتي يرجح أن تكون ترددات الذبذبات الصوتية الناجمة عن الزلزال قد تداخلت مع ترددات الأمواج الصوتية لهذه الدلافين وأفقدتها صوابية مساراتها وسبّبت لها الجنوح على الشط وفق رأي الدكتور ابراهيم الذي بيّن أنّه من المعروف أن سلوك الأسماك يتغير نتيجة تأثرها بالزلازل، وتتحسس بها قبل وقوعها فتبدي هلعاً وتهرع نحو سطح البحر فتبدو وكأنها تريد الخروج من المياه والنجاة بنفسها، كما تتجه نحو الشاطئ وتتجمع هناك ،لاسيما أن بعد الهزات الأرضية مباشرة تُشاهد كميات كبيرة من الأسماك قريبة من الشاطئ، حيث يتزايد صيدها في تلك المناطق. فالأسماك تستشعر المجال المغناطيسي للأرض والذبذبات الصوتية التي تصدر عن الزلزال: هذه الذبذبات هي خارج المجال السمعي للإنسان.

ولفت د.ابراهيم إلى أنّ أسماك الزينة تستشعر الزلزال وتبدى اضطرابات في السباحة كردة فعل على الزلزال قبل حدوثه، لذلك فكثيراً ما يستحوذ الناس أحواض أسماك الزينة في المنازل كأجهزة إنذار مبكر للزلازل.

هلع وخوف

 

وقال الباحث د.إبراهيم : كان هناك هلعاً كبيراً من احتمال حصول تسونامي نتيجة الزلازل التي حصلت خلال شهر شباط الماضي. بالواقع، لطالما أن تلك الزلازل قد حصلت على البرّ فلم يكن هناك أيّ احتمال لأنّ تتسبب في حصول أية تسونامي، حيث أن التسونامي يحصل خلال ساعات من حدوث زلزال ضخم في البحر،أمّا  احتمال التسونامي فهو  ضعيف جداً  نتيجة الزلازل أمام السواحل السورية كجزء من سواحل بلاد الشام ككل وتركيا، لأنّ كافة الفوالق في هذه المنطقة تُنتج إزاحة جانبية للقشرة الأرضية نتيجة الزلزال، غير أنّه يبقى هناك احتمال تأثر السواحل السورية بأمواج التسونامي المنخفضة تنشأ نتيجة الزلازل التي تحصل في مناطق أخرى من البحر المتوسط والتي تعطي زلازلها إزاحة شاقولية للقشرة الأرضية.

إزاحة أفقية وعامودية

في الساحل الشرقي للبحر المتوسط حيث تقع السواحل السورية ينتج عن الحركة التكتونية للأرض وحركة الزلازل إزاحة أفقية (دفع أفقي) للقشرة الارضية بنسبة كبيرة (حتى 85% إزاحة أفقية وحوالي 15% إزاحة عمودية)، وبالتالي فإن تحرير طاقة الزلزال سوف تُنتج إزاحة افقية للمياه، بحيث لا ينتج عنها أية تسونامي. لكي يحصل تسونامي يجب أن تحصل ازاحة كتل المياه البحرية بالاتجاه العمودي، ولطالما أن نسبة الإزاحة العمودية قليلة (حوالي 15%) فسوف لن يتبعها حصول تسونامي. وبالتالي يمكن القول بأن المنطقة ككل آمنة بنسبة كبيرة لجهة حصول تسونامي فيما لو حصل الزلزال قبالة السواحل السورية مباشرة ، وأكّد أنّ أية موجة تسونامي قد تحدث في البحر المتوسط، وهو ذو متوسط العمق  نحو 1.5كم، سوف لن تكون بسرعة وقوّة موجات تسونامي في المحيطات العميقة والتي يفوق متوسط عمقها عموماً 10 كم. كي يحصل التسونامي يجب أن يحدث زلزال قوي في قاع البحر بقوة 6.5 على الاقل على مقياس ريختر، وفي عمق ضحل أقل من 70 كيلومتراً تحت سطح الأرض، وأن يتسبب الزلزال في حركة عمودية لقاع البحر (تصل إلى عدة أمتار) .

تراجع المياه البحر :

 

وأوضح د.ابراهيم أنّه حصل تراجع مياه البحر في السواحل السورية بُعيد فترة زلزال 6 شباط. وطال هذا التراجع معظم شواطئ دول حوض البحر المتوسط لمسافات من 4-20م من خط الساحل. لقد تزامن هذا التراجع بالصدفة مع فترة الزلزال على الرغم من عدم وجود أي علاقة تربط بين الاثنين. وكثيراً ما كنا نلاحظ دلائل هذه الظاهرة خلال هذه الفترة من السنة خلال جولاتنا الميدانية السابقة على امتداد الساحل السوري لأغلب السنوات، حيث كانت تحدث هذه الظاهرة في كثير من السنوات دون ملاحظتها للعيان، لكن صفاء الجو وغياب العواصف البحرية وهدوء الأمواج يجعل التراجع أكثر وضوحاً.

 

ورأى د.إبراهيم أنّ ظاهرة تراجع مياه البحر هذه تتعلق بالمطلق بحركة المد والجزر الناتجة عن تأثير قوى القمر والشمس ودوران الأرض حول نفسها، بالإضافة لمجموعة من العوامل الطبيعية التي تؤازر قوة المد والجزر، وهي تعمل مجتمعة أو منفصلة حسب المكان والزمان. فما يزيد من تراجع مياه البحر هو حصول المد الاعظمي للمياه خلال شهري شباط وآذار من كل عام، خاصة إذا تآزر ذلك مع رياح شرقية قوية على سواحلنا. يُضاف الى ذلك الهطول المطري والذي انخفض هذا العام بشكل واضح خلال الفترة التي حصل فيها التراجع، ذلك بالتزامن مع زيادة الضغط الجوي المترافق مع برودة الجو، بالإضافة إلى برودة الماء، والذي يزيد من تقلص حجم مياه البحر وبالتالي تراجعها أكثر وأكثر. يظهر هذا التراجع في فترات الشتاء دون غيره وفي أماكن من الشاطئ دون غيرها، إذ يكون أكثر وضوحاً على الشواطئ قليلة الانحدار من الساحل السوري.

جفاف كائنات البحر

وأكّد ابراهيم أنّه نتيجة حصول هذا التراجع في المياه البحرية السورية إلى ما وراء منطقة المد والجزر فقد تعرَّض الكثير من أنواع الكائنات الحية التي تعيش في البرك الشاطئية الضحلة من أسماك وطحالب وقشريات وغيرها للجفاف والموت. ذلك مثلما حصل أيضاً لتلك الأنواع المُثَبتة على المستندات الصلبة في مكان التراجع من أنواع الرخويات اللاطئة والطحالب المتكلسة وغيرها حيث تعرضت للهواء الجوي مما سبب لها التجفاف والاختناق، وذلك بعدما كانت تستمد أوكسجين تنفسها ومقومات حياتها من الماء. هذه الكائنات الحية البحرية هي قاعية المعيشة وتعيش أصلاً في نطاق المد والجزر “Intertidal zone” وبالتالي فهي متكيفة بنيوياً ووظيفياً لتغيرات التغطية بالماء والتكشف والتعرض للهواء الجوي وأشعة الشمس لعدة أيام. لكن ما حصل أن فترة انحسار مياه البحر على الشواطئ السورية خلال فترة زلزال 6 شباط استمرت قرابة ثلاثة أسابيع مما أفقد هذه الكائنات الحية القاعية حياتها في ظل عدم قدرتها على العودة الى المياه البحرية المفتوحة.

 

الدروس المستفادة

ويعتبر الدكتور إبراهيم أنّ ما حصل في شباط الماضي من نتائج كارثية – بكل آسف – يبقى أنّه يجب الاستفادة مما حصل للتقليل من أضرار ما قد يحصل مستقبلاً. وبالتالي لابدّ من إقامة محطة بحرية للإنذار المبكر داخل المياه الاقليمية  لرصد الزلازل وموجات التسونامي قبالة الساحل السوري، حيث يمكن لهذه المحطة استقراء المعلومات والتنبؤ بحصول أو اقتراب موجات التسونامي من المناطق المجاورة ودراسة خصائصها، حيث توفر معلومات قيمة للمنطقة ككل وتؤمن سجلات توثيقية وعلمية للظواهر والاحداث ذات العلاقة. كما لابد من تطوير خطة وطنية فعالة لمواجهة الكوارث المختلفة الناتجة عن الزلازل، حيث برزت كارثة الزلزال الاخير لتظهر ضعف كفاءة الخطط الموضوعة سابقاً في هذا الشأن. فالزلازل والهزات الارتدادية المتلاحقة التي حصلت هي بالواقع درس مهم لمراجعة الخطط الموجودة والبناء على النتائج وتصويب المسار في هذا المجال.

يوم وطني  

واختتم الدكتور إبراهيم حديثه  بضرورة تحديد يوم  ٦ شباط من كل عام ليكون “اليوم الوطني لدرء أخطار الزلازل” يُخلد فيه أولاً بأول ذكرى أرواح من قضى في زلزال 6 شباط، وتُجرى فيه اللقاءات العلمية والإعلامية وتُلقى المحاضرات الهادفة التي تُلقي الضوء على النتائج المستخلصة من سلسلة الزلازل التي ضربت المناطق السورية المختلفة والاستعدادات المتوجبة للمستقبل وتكون منبراً للتوعية وحسن التصرف تجاه الزلازل.