تقنيات الذكاء الاصطناعي وإشكالية تحديد المسؤول عنها
دمشق- زينب محسن سلوم
العديد من الإشكاليات تواجه مسألة تقنيات الذكاء الاصطناعي الآخذة بالتوسع في حياتنا، ما يتطلّب تطوير القوانين وقواعد المسؤولية أمام هذا نوع الجديد منها، حيث يثور التساؤل هنا، هل يكون صانع التقنية أم مالكها أو شخص آخر استخدم التقنية هو المسؤول عن أي ضرر مادي أو معنوي يسبّبه استخدامها، سواء كان عمداً أو بطريق الخطأ، آخذين بعين بالاعتبار أن الذكاء الاصطناعي قادر على التعلّم الذاتي، بل تطوير نفسه بنفسه وبمعزل عن إرادة صانعه أو مالكه أو أي طرف ثالث، فكيف يمكن لنا أن نحدّد الشخص المسؤول والذي قد يكون مستحقاً للعقاب أو ملزماً بدفع التعويض؟.
في هذا الصدد أوضح المحامي محمد وسام كريم الدين في حديث لـ”البعث” أن أنظمة الذكاء الاصطناعي هي بالنهاية نتاج عمل بشري، وهناك دائماً شخص طبيعي يقف وراء هذا البرنامج الذي يفكر ويقرّر، فنحن أمام (شيء) لا ينطبق عليه شروط الإنسان الطبيعي الحيّ، ونجد وضوح فكرة استقلالية أنظمة الذكاء الاصطناعي في مجال العقود الذكية والتي تتم بآلية تلقائية بين برنامج الذكاء الاصطناعي والطرف المستفيد دون تدخّل طرف آخر، ولا بدّ من ترتيب المسؤولية المدنية “تعويض”، والجزائية “فعل يشكّل جرماً معاقباً عليه”.
وأوضح أنه في مجال المسؤولية العقدية، فالعقود تحمل التزامات على عاتق النظام، ولاسيما إذا كان من المفترض تنفيذها آلياً، كأن يتم شراء تطبيق إلكتروني من أحد المتاجر الإلكترونية وبعد تحميل التطبيق يجده المستخدم لا يؤدي الغرض المفترض منه، كما يمكن أن يقوم البرنامج بارتكاب أخطاء لا علاقة لها بالمتعاقد معه، تحدث ضرراً للغير، كأن يقوم نظام ما بإرسال بيانات الشخص إلى جهة تنتج محتوى مشابه باعتباره زبوناً متوقعاً.
أما في مجال المسؤولية الجزائية، فهناك أمثلة كالاعتداء على الحقوق المالية أو الفكرية وحتى الجسدية، مثل سرقة أبحاث وإرسالها لشخص آخر على أنها من نتاج النظام الذكي، كما يمكن أن يقوم باستخدام البيانات المصرفية لإجراء تحويلات مالية تسلب أموال شخص لصالح جهة أخرى دون رضاه.
ويرى المحامي كريم الدين أن الرأي الأقرب إلى الصواب هو البحث عن الشخص الطبيعي الذي استخدم الذكاء الاصطناعي ليقوم بالفعل المسبّب للضرّر، فأنظمة الذكاء الاصطناعي مهما تطورت فهي من إنتاج أشخاص طبيعيين قاموا ببرمجتها، ويمكن حصر أطراف المسؤولية عن الأفعال، فإما أن يكون المصنّع الذي أنتج هذه البرمجية ووضع قواعد ومحدّدات مسبقة لطريقة عملها، فالذكاء الاصطناعي -إلى الآن- يلتزم بدقة عالية بالقواعد الموضوعة من قبل الصانع الذي قد يتعمّد إنتاج نظام هدفه إحداث الضرّر، كأن ينشئ برنامجاً يعمل على خداع المستخدمين، والثاني هو الضرر الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي نتيجة خطأ، أما الشخص الثاني الذي قد يكون مسؤولاً فهو مالك التقنية، عبر استخدامها بطريقة غير مشروعة، مثل نشر سلع على هذه التقنية مخالفة لمواصفاتها الحقيقية، وهنا تنتفي مسؤولية الصانع تماماً، وأخيراً فإن الشخص الثالث الذي يمكن أن يتحمّل المسؤولية قد يكون هو المستخدم للبرنامج.
ولفت المحامي كريم الدين إلى أنه وبناءً على ذلك يكون من السهل علينا تطبيق قواعد المسؤولية العامة في القانون، لنحدّد أيّاً من هؤلاء الأشخاص هو المسؤول، أو هل يشترك كلهم أو بعض منهم بالمسؤولية، وهذا عمل متروك لاجتهاد القضاء.