الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الغصن الذهبي!

حسن حميد

يعدّ كتاب /الغصن الذهبي/ للكاتب جيمس فريزر واحداً من أهم الكتب التي شُغلت بالثقافات البدائية لجلو معاني السحر، والتعالقات الأولى مع القوى البادية في الطبيعة مثل المطر، والطوفان، والأودية، والكهوف، والجبال، والأشجار، وحيوانات البر والبحر من جهة، ولبيان المراحل التي قطعها العقل البشري من أجل الارتقاء والتطور من جهة أخرى.
يقع كتاب /الغصن الذهبي/ في حوالي 12 مجلداً كبيراً، إذ صدر مجلده الأول سنة (1890)، وقد عمل عليه جيمس فريزر سنوات طوالاً، ولم يترجم كاملاً إلى اللغة العربية، ترجماته كانت فصولاً اختارها هذا المترجم أو ذاك، وبسبب سعة هذا الكتاب، واحتشاد الأفكار والأزمنة والموضوعات فيه، صدر كتابٌ يلخصه يقع في حوالي ألف صفحة من الحجم الكبير، وقد ترجم إلى العربية في أواخر الستينيات ونفذت نسخه، وقد كانت قليلة، في السنة الماضية 2018 أعيدت ترجمة المجلد الملخص للمجلدات عامة، وصدر الكتاب في حوالي ألف صفحة، وقام بالترجمة نايف الخوص، ونشرت الكتاب دار الفرقد بدمشق. غاية الكتاب ليس جمع الثقافات البدائية للشعوب من أفريقيا وآسيا إلى أمريكا اللاتينية فحسب، وإنما هي غاية تنورية لأنها تريد تحرير العقل، وبالتالي التفكير، من هيمنة الأفكار المتعلقة بالسحر والخرافة، والوثنية، وأحوال العقائد القديمة التي عرفتها البشرية والتي تمثلت بعبادة الكواكب، والبحار، والحيوانات، والأشجار، والحجارة، والغابات، والثقافة التنويرية التي أرادها الكتاب لم تسع إلى إدانة هذه المعتقدات البدائية كما لم تسع إلى تقديسها، أي أن الغاية التنويرية لم تكن لإزالة المقدس عن تلك المعتقدات القديمة، ولا إضافات الهالات الجديدة عليها، الكتاب يواقف المحطات الفكرية الأولى للعقل البشري من أجل بيان علاقة الأرض بالسماء، والإنسان بالطبيعة، ولذلك ربخت في صفحاته آداب، وأديان، وفنون، وطقوس للسحر، وعادات، وتقاليد، وحكايات، ومعتقدات اجتماعية هي العتبات أو المداميك الأولى للثقافة البشرية وهي تصعد في مساراتها المعرفية، وهي لا تخلو من دهشة وشغف وجمال وإبداع وحقائق في وقت كان الإنسان الأول فيه يحاول الممايزة ما بين النافع والضار، والخير والشر، والجميل والقبيح.
أهمية الكتاب تبدو في تقصيه لأحوال الثقافة والمعتقدات الأولى لدى الشعوب التي ظلت أزمنة طوالاً مشدودة إلى عوالم السحر والخرافة والوثنية، وبيان المشتركات الكثيرة ما بين هذه الشعوب على الرغم من اتساع الرقعة الجغرافية فيما بينها، وقد تأثر بهذا الكتاب الأدباء والكتّـاب والشعراء والفنانون والعلماء الذين بحثوا في تاريخ الإنسان وتطوره، وتاريخ الثقافة والفنون وتطورهما، وقد تجلّت هذه التأثيرات في الأدب والفنون والتربية وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وقد قرّظ النقاد هذا الكتاب وامتدحوه كثيراً، مثلما قرّظه أساتذة الجامعات وامتدحوه كثيراً، ولكن الأمر لم يخلُ من ملاحظات أدرجت في سياق الحديث عن الكتاب لعل أبرزها أن نظرة استعلاء شابت المعلومات التي جمعت عن الشعوب البدائية، وهي نظرة وسم بها الغرب وتبناها حين استعمر الكثير من البلدان وعامل شعوبها معاملة دونية لا تليق بالبعد الإنساني والقيم الإنسانية في آن، وأن الكتاب تبنى ما تبنته نظرة التبشيريين إلى المعتقدات الأخرى من أنها محتشدة بالسذاجة والجهل والنمطية، وأن نظرة فريزر هي نظرة تشوّه المعتقدات والتقاليد والعادات والثقافات الشعبية لدى الشعوب الأخرى، وتحطّ من شأنها بهدف تنحيتها وإبعادها ومحوها.
أما جيمس فريزر فهو من مواليد 1854، درس اللغتين اللاتينية واليونانية، والأدبين اليوناني والروماني، كما درس القانون بناءً على طلب من والده الصيدلاني ليكون صاحب مهنة، لكنه عمل في الدراسات والبحوث، وأصدر كتباً عدة، أهمها على الإطلاق كتاب /الغصن الذهبي/ وعاش 87 عاماً منها عشر سنوات وهو فاقد للبصر، وقد توفي سنة 1941 بعد أن نال جوائز وأوسمة مهمة، وعدّ واحداً من أهم الباحثين في تاريخ الإنسان، والديانات، والمعتقدات الاجتماعية.
Hasanhamid55@yahoo.com