خزان سورية الزراعي يجفّ.. مطالب محقة لاستنهاض ثروات سهل الغاب!
“البعث الأسبوعية” ــ منير أحمد
لطالما عُوّل على سهل الغاب لكي يكون السلة الغذائية الإستراتيجية لسورية نظراً لما يتمتع به من مقومات تؤهله لذلك، سواء لجهة خصوبته، أم لجهة مساحته الممتدة على 141 ألف هكتار، أم لجهة مرور أغزر الأنهار فيه “العاصي”، إلا أن منتجات هذه السلة كانت أقل بكثير من مستوى ما تمتلكه من مقومات..!.
ففي الوقت الذي أكد فيه مدير هيئة تطوير الغاب المهندس أوفى وسوف أن سهل الغاب من أكبر السهول السورية التي تتميز بتنوع حيوي بين السهل والجبل والوفرة المائية، إذ أن هناك 87 ألف هكتار من مساحته قابلة للزراعة، و37 ألف هكتار عبارة عن مناطق حراجية والباقي مراعي ومسطحات مائية، ما يحعله بالنتيجة بيئة صالحة لكل المحاصيل الزراعية، بين مدير الثروة النباتية في الهيئة المهندس وفيق زروف انخفاض زراعة مساحة عدد من المحاصيل كمحصول القمح الإستراتيجي من 41 ألف هكتار إلى 24 ألف هكتار، وذلك نتيجة خروج بعض المساحات بسبب تمركز العصابات الارهابية في الشريط الشرقي والأوسط لسهل الغاب، إضافة إلى انخفاض المساحة المزروعة من القطن بمعدل عشرة أضعاف تقريباً من 2520 إلى 294 هكتار، وذلك لضعف الجدوى الاقتصادية من زراعته، وانخفاض اسعاره مقارنة بسعر التكلفة، وعدم توفر المياه اللازمة لسقاية هذا المحصول الذي يتطلب كميات كبيرة من المياه بسبب توقف جريان بعض أقنية الري وتضررها بسبب الاحداث، إلى جانب توقف زراعة الشوندر السكري وعدد من المحاصيل المهمة مثل عباد الشمس والصويا وغيرها، وخروج مساحة حوالي٢4 بالمئة من الخطة المقررة كونها هذه المناطق واقعة خارج السيطرة وجزء منها مسرح للعمليات العسكرية، بالإضافة إلى عدم وضع أسعار تشجيعية تتناسب مع تكاليف الانتاج، وعدم ترك هامش ربح مشجع ومجزي للفلاحين وارتفاع مستلزمات الانتاج من بذار وأسمدة ومحروقات، وأجور تجهيز الاراضي للزراعة، وكذلك أجور اليد العاملة، وعدم تواجد الأهالي في عدد من القرى نتيجة الظروف الأمنية وعدم توفر مصادر للمياه بشكل دائم.
إذا ما علمنا أن سهل الغاب هو خزان زراعي لمحاصيل أخرى غير الإستراتيجية آنفة الذكر كالبطاطا والفول السوداني والنباتات الطبية والعطرية والبقوليات، إضافة إلى بعض المحاصيل العلفية كالجلبان، إلى جانب الخضار الصيفية والشتوية، فيفتلرض وضع خطة شاملة متكاملة تشمل تطوير كل أنظمة الزراعة وكامل المحاصيل، واعتماد سياسة تسعيرية تشجيعية بشكل خاص للمحاصيل الإستراتيجية كالقمح والقطن والشوندر السكري، وكذلك الأمر للمحاصيل العلفية، وفق ما أكده زروف، إضافة إلى الاشتغال وبكل جدية على تأمين المصادر المائية المستدامة، وذلك من خلال إعادة تأهيل محطات الضخ لسد أفاميا، والبدء بإنشاء الاحواض المائية المقررة في الجزء الغربي من سهل الغاب، واعادة تأهيل قنوات الري والتصريف المائي، وتأمين الأليات الهندسية من بواكر وتركسات وبلدوزرات وسيارات ثقيلة وخفيفة لتعزيل قنوات الري والصرف والتي تساعد في الحد من غرق الأراضي شتاءً، والعمل على تفعيل الاستقرار الأمني لتسهيل عودة الاهالي الى قراهم.
الثروة الحراجية
لم يخف مدير الموارد الطبيعية في الهيئة فايز محمد حساسة المرحلة التي يمر بها سهل الغاب لجهة حماية الثروة الحراجية التي لا تقدر بثمن، ما دفعهم لتحريج 225 هكتار من المساحات المتضررة من الحرائق والقطع الجائر وزراعتها بأكثر من 130 الف غرسة حراجية من الاصناف المختلفة، مع الإشارة هنا إلى أن المديرية تستهدف تحريج وترقيع 340 هكتار في 5 مواقع حراجية مختلفة خلال الموسم القادم، إضافة إلى العمل على تربية وتقليم 350 هكتار خلال هذا الموسم، مشيراً إلى أن ما تحتاجه حماية وتطوير هذه الثورة هو التعاون مع المجتمع المحلي المحيط بالغابات من خلال سن عدد من التشريعات الجديدة التي تحفز المواطن على حماية الحراج وتربط مصلحته بالغابة.
كما ركز محمد على ضرورة تطوير نظام الإطفاء لدى هيئة تطوير الغاب من 12 سيارة إطفاء حالية إلى 24 سيارة، وزيادة عدد مراكز الإطفاء إلى أربعة مراكز عوضاً عن مركزي إطفاء شطحة ونهر البارد، خاصة مع كبر المساحة الغابات في سهل الغاب، ورفد منظومة إطفاء الحرائق الحراجية بأكثر من 300 عامل إضافي، لافتاً إلى أن سهل الغاب يمتلك مساحات حراجية كبيرة وضخمة وتعتبر من البيئات البكورية التي تتميز بجمالها الساحر وتعد متنفساً للمنطقة الوسطى خاصة المساحات الشجرية الكبيرة الممتدة على مساحة 37 ألف هكتار، إذ تتميز هذه المساحات بتنوعها البيولوجي من أشجار الصنوبر والسنديان والقطلب والعرعار والسرو والبلوط وغيرها من عشرات الأصناف من النباتات الطبية البرية كالغار والريحان والدردار وغيرها، بالإضافة إلى تنوع حيوي من طيور وغزلان برية وأرانب وذئاب وغيرها، فهذه الثروة الحراجية حقيقة تتعرض لتهديد الحرائق السنوي وقد سجل خلال هذا العام الجاري وحده 35 حريقاً حراجياً دمر مساحة 400 دونم تقريباً.
لم ينعكس غنى السهل بالتنوع الحيواني على المردود الاقتصادي المتوقع، إذ أشار مدير الثروة الحيوانية في الهيئة حسن عثمان إلى وجود 1225 رأس من الجاموس السوري وهو الصنف الوحيد من الجواميس الذي يربى في سورية، وتعتبر تربية هذه الثروة موروث شعبي أكثر منه ريعية مادية، لكن تربيته خاسرة بسبب ضعف إنتاج الجاموس من الحليب ورخص ثمن لحومه مقارنة مع الأبقار علماً أن بيئة الغاب تساعد على تربية هذا الصنف بسبب تواجد المستنقعات وبرك المياه ومساحات الرعوية الكبيرة.
كما أن أكد عثمان أن انخفاض عدد رؤوس الأبقار من 33 ألف رأس إلى 29 ألف و900 رأس، وذلك بسبب خروج 25 بالمئة من مساحة الغاب بسبب الارهاب إضافة إلى عدم توفر المادة العلفية اللازمة والداعمة لتطوير هذا القطيع، بالرغم من حرص الهيئة على توفير كافة اللقاحات ضد جميع الأمراض السارية والمعدية، وكذلك الأمر بالنسبة للأغنام التي شهدت تربيتها انخفاضاً حاداً حتى وصلت إلى 288 ألف رأس واسبابها كثيرة .
واعتبر عثمان أن تطوير الثروة الحيوانية في الغاب مرتبط بالكثير من الإجراءات أهمها تأمين وحدات لتصنيع المنتج الحيواني أسوة بمعمل جب رملة، وضرورة تطوير زراعة المحاصيل العلفية التي تؤمن للمربين مادة علفية رخيصة بدلاً من المستورد ة، وضرورة التوجيه بدعم المنتج العلفي عن طريق صندوق الدعم الزراعي بشكل مباشر، وتوفير القروض الميسرة الصغيرة التي تساهم في الإقلاع بعمليات التربية المنزلية الصغيرة والتي تنشط الزراعات العلفية المختلفة، وأيضاً ضرورة تركيز جهود المنظمات الإنسانية لدعم مربي الثروة الحيوانية بقطعان الماشية المحسنة والمهجنة والتي توفر إنتاجية وريعية اقتصادية كبيرة للمربين.
واقع الري
واقع الري في سهل الغاب ليس بأحسن حال من بقية القطاعات رغم غناه بالثروة المالئية، إذ بين المهندس حسام محفوض مدير الري في هيئة تطوير الغاب تدمير قسم كبير من البنية التحتية لمياه الري في سهل الغاب وإيقاف نشاط نظام الري بالشبكات، فهناك حالياً ثلاثة سدود أهمها سد أفاميا وهو متضرر بشكل كبير وكافة تجهيزاته الميكانيكية والكهربائية سرقت من قبل العصابات الارهابية، إضافة إلى سدي قسطون وزيزون وهما من السدود الهامة والداعمة لنظام ري الغاب ولكنهما خارج الخدمة بسبب تمركز العصابات الارهابية في محيط السدين، كما امتدت يد الارهاب لتدمير قنوات الري التي تغذي سهل الغاب وبخاصة قناة ري سد الرستن، بالإضافة إلى تدمير مراكز الري في القطاع الشرقي لسهل الغاب، وتدمير عدد كبير من الآبار الارتوازية بأقسام الزيارة وقلعة المضيق وتل واسط والعنكاوي وأقسام كبيرة من منطقة محردة مما أخرج حوالي 40 بالمئة من الأراضي الزراعية المروية وتحويلها إلى أراضي بعلية وهذا حقيقة أثر على انتاجية الأراضي.
وبين محفوض أنه خلال زيارة الوفد الحكومي إلى منطقة الغاب تم اعتماد خطة استثمارية لإصلاح قنوات الري، وأهمها صيانة شبكة طار العلا والعشارنة والغاب وذلك لإيصال المياه من سد الرستن إلى أراضي الغاب الزراعية، وقد خصص الفريق الحكومي مبلغ مليارين و 400 مليون ليرة لمديرية الموارد المائية في المحافظة لتأهيل عدد من قنوات الري أهمها قناتي الري ج1 و ج2 كما خصص الفريق الحكومي هيئة تطوير الغاب بمبلغ 2 مليار و600 مليون ليرة منها 1 مليار و 250 مليون لشراء اليات متخصصة في تعزيل المصارف المائية لعموم سهل الغاب وبشكل سنوي وأيضاً باقي المبلغ لتأهيل قناة طار العلا وهذه القناة في حال صيانتها بالشكل الأمثل سوف تروي 25 ألف هكتار أي بمساحة تزيد عن ثلث مساحة سهل الغاب تقريباً، إذ تقوم هذه القناة باستجرار المياه من سد الرستن لري أراضي في سهل الغاب، أما بالنسبة للمساحات الأخرى من سهل الغاب فهي تعتمد في نظام ريها على سدود محردة والقلعة وقسطون وزيزون.
أخيراً
مع كل هذه الإمكانيات والقدرات الطبيعية لسهل الغاب يتوجب على كافة الهيئات المعنية أن توحد قواها وإمكانياتها في سبيل إعادة نهضة حقيقية لهذا السهل خاصة وأننا في مرحلة أحوج ما نكون فيها إلى خيرات هذا السهل.