ثقافة

أهل مكة لا يدرون بشعابها؟!

جلال نديم صالح
قبل عدة سنوات شاهدت إحدى المقابلات المسجلة مع الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، وفي أحد الأسئلة التي ما زالت عالقة في ذاكرتي إلى اليوم، سأله المحاور كيف تتوقع أن يكون شكل الأغنية في المستقبل؟ حينها كان نمط الأغنية الطويلة هو السائد، فأجاب عبد الحليم: نمط الحياة الذي يعيشه الناس سيقتضي تحول الأغنية إلى النمط القصير، وهذا يلائم نمط وإيقاع الحياة السريع الذي تنحو الحياة باتجاهه، وهو فعلاً ما حدث لاحقاً ونعيشه اليوم.
عبد الحليم حينها بثقافته وحنكته الفنية قرأ قبل سنوات طويلة واستشرف المستقبل، وما أعاد هذه التفاصيل إلى ذاكرتي مناسبة اليوم العالمي للموسيقا الذي يصادف في هذا الشهر، وهي مناسبة كان لها الفضل في لقائي ومعرفتي بالباحث الراحل صميم الشريف -رحمه الله- قبل سنوات كنت حينها أعد مادة بمناسبة يوم الموسيقا قدم لي حينها الشريف بثقافته الموسوعية التي لم تقتصر على الموسيقا، الكثير من التفاصيل التي لا يعرفها الكثيرون عن أصل هذا اليوم ونشأته والظروف التي رافقت ذلك، وكيف انتقل للبلدان المختلفة إلى أن وصل إلى عالمنا العربي. وفي جلستنا تلك سألته عن ظاهرة تألق بعض الفنانين لفترة قصيرة من الزمن وخبو شعلتهم دفعة واحدة واختفائهم دون أثر يذكر؟ فابتسم حينها وقال: للأسف يعتمد الكثير من الفنانين -وهذا يشمل المطربين والعازفين- على الموهبة  فقط ويفتقرون للثقافة الموسيقية بأبسط أشكالها، وكل ذلك ينعكس على نمط اختيارهم للأغنيات وأسلوب الأداء مما يجعلهم كالفقاعة تظهر وسرعان ما تختفي. تذكرت هذا الحديث لاحقاً في جلسة مع أحد الفنانين “المهمين” على الساحة الفنية سألته عن اليوم العالمي للموسيقا فأجابني بدهشة: وهل للموسيقا عيد؟ بعد أن انتهت الجلسة التي تابعتها على مضض خرجت وأنا أردد بيني وبين نفسي إن كان هذا الفنان الذي درس وحصل على شهادة عالية في مجال الموسيقا من إحدى الدول الأوربية، وهو ممن يفترض أن يكونوا من المختصين في مجال الموسيقا وأن يعلّموها للآخرين وينقلوا حبها إليهم، لم يسمع بعيد الموسيقا فأي عتب يبقى على مطرب يغني دون أن يحفظ المقامات، وعازف لم  يدرس السلالم الموسيقية.  كل ذلك جعلني على يقين أن الفنان الحقيقي لا يمكن أن يُختصر بصوت جميل أو ببراعة في الأداء، وهذا هو السبب وراء خلود بعض الفنانين وما أقلهم، واختفاء بعضهم الآخر بعد شهرة قصيرة مؤقتة وما أكثرهم؟!