ثقافة

“Still Alice” أن تناضل لتبقى جزءاً من الأشياء

خلال الكلمة التي ألقتها في مؤتمر لمرضى الزهايمر، قالت للحضور بابتسامة حزينة: تقول الشاعرة اليزابيت بيشوب: “إن فن الخسارة فن لا يصعب إتقانه، فالكثير من الأشياء يتم إنشاؤها بنية مسبقة لأن ترمى أو تضيع، وأكملت: أنا لست شاعرة، أنا شخص يعيش مع أعراض مرض الزهايمر المبكرة، وها أنا أتعلّم فن الخسارة كل يوم”، تعترف بأن الفقد شيء قد يحدث لنا جميعاً، كذلك النسيان، غير أن أشخاصاً كمرضى الزهايمر عليهم التعامل مع الفقدان طوال الوقت، فقدان الكلمات، فقدان النوم، الأشياء، وفقدان الذاكرة، أرجوكم لا تفكروا بأني أعاني، أنا لا أعاني أنا أناضل، أناضل كي أصبح جزءاً من الأشياء، كي أبقى متصلة بمن كنت عليها.

البدايات
وكأي بناء آيل للسقوط، بدأت حياتها تتهاوى وتتداعى في المنزل والشارع وفي عملها الذي أفنت حياتها لبناء حضور لائق بها في علم اللغويات في أهم الجامعات الأمريكية، إذ بدأت أهم أدوات عملها بخيانتها، فبدأت تنسى الكلمات أثناء إلقاء محاضراتها أثناء التدريس، وفي البداية ردت د. أليس الأمر لإفراطها في الشرب أثناء الاحتفال بعيدها الخمسين، لكن طبيبها أكد لها احتمال إصابتها بنوع نادر من الزهايمر الذي يأتي في عمر مبكر كعمرها.
تخفي أليس الأمر عن عائلتها إلى أن تكررت الأعراض وبات الأمر أكثر جدية فتاهت أثناء ركضها في أحد الأيام، وعجزت عن العودة إلى المنزل، وقامت بالترحيب بصديقة ابنها الوحيد مرتين فور وصولها إلى المنزل، وعندما قررت إخبار زوجها بالأمر لم يصدق قائلاً لها: إن الأمر غير منطقي، تجيبه بخوف: أشعر أن كل شيء يسقط مني، ثم تصرخ يائسة وغاضبة: لم لا تأخذني على محمل الجد، أعرف ما أشعر به، أشعر أن دماغي يموت، كل شيء عملت لأجله طوال حياتي، يختفي.
مع مرور الوقت تزداد خيانة الذاكرة والكلمات، فيأتي تقييم طلابها لها في نهاية الفصل الدراسي سيئاً، لتقرر إثر ذلك ترك عملها، أصعب ما في الأمر أن مرضها كان من النوع العائلي الذي يحتمل توريثه، فترغم نفسها كي تخبر أبناءها بحقيقة مرضها، ثم تعتذر منهم باكية.

غدر الذاكرة
وعندما تجلس وحيدة مع زوجها تهمس له بانكسار: ليتني كنت مريضة بالسرطان، كان الأمر أكثر سهولة، على الأقل لم أكن لأشعر بالخزي من خيانة العقل لي.
ومع ازدياد حدة المرض تلجأ إلى هاتفها ليسعفها ببعض الأجوبة عن أسئلتها اليومية، وتصاب بالذعر الشديد في إحدى الأمسيات عندما لا تجده بقربها، فتسارع لتتمسك بذراعي زوجها، تصرخ وتبكي: “أرجوك ساعدني بالعثور عليه”، وكأنما تستغيث به كي يعثر على ذاكرتها المفقودة، لكن اللحظة الفاصلة التي تجعل المشاهد يشعر أن الأمور باتت خارجة عن السيطرة، عندما تعجز عن إيجاد طريقها إلى الحمام في المنزل فتقف تبكي كطفلة صغيرة وقد بللت ثيابها.
في أحد الأيام، وبينما هي وحيدة  تحاول استعادة بعض من ذاكرتها، وتفتش في ملفاتها على الكمبيوتر المحمول، تعثر صدفة على ملف باسم “الفراشة” فتجد بداخله ملف فيديو لها، سجلته في أولى مراحل مرضها حينما كانت قادرة على استجماع تركيزها، وعلى الشاشة الصغيرة، نشاهد “أليس” قبل أن يهزمها المرض تُخبر “أليس الحالية” أن معنى مشاهدتها للفيديو الآن أنها وصلت مرحلة سيئة من المرض، لذا عليها البحث عن مكان بعينه في غرفتها، ستجد فيه علبة من الدواء عليها أن تبتلع أقراصها كاملة مع الماء ثم تذهب للنوم دون أن تُخبر أحداً بما هي مقدمة عليه.
كانت تلك هي المحاولة الأخيرة من “د. أليس” التي طالما عُرفت بذكائها وفطنتها، في التخلص من حياتها بعد أن أطاح المرض بكينونتها وشخصيتها الأولى تاركاً منها نُسخة، مجرد نسخة مثقلة اللسان، غير قادرة على التعبير، ولكن لحسن حظها أو “ لسوئه” تفشل في محاولتها، ثم يرحل الزوج بعيداً، وتعود الابنة الصغرى للعيش معها في مُحاولة لإخراجها من عالم النسيان بفِعل الحُب، القادر على خلق التواصل بين الأرواح.
المخرج “ريتشارد جلاتزر” قدم الفيلم بعد إصابته بمرض التصلب الجانبي الضموري الذي أفقده القدرة على التحدث إلى الآخرين، لكنه استطاع توجيه ممثليه من خلال لوحة كمبيوتر، فاستطاع الذهاب بعيداً في تلمس معاناة المرضى من الخسارة والشعور بالفقدان، والتحول إلى أشخاص لا يشبهون أنفسهم.

تألق وإبداع
“STILL ALICE” عبارة عن  دراما اجتماعية، فيلم غني بالمشاعر الإنسانية، عاطفي بامتياز، قدمت فيه الممثلة” كريستين ستيوارت” دور الابنة ليديا، وأدى الممثل “ستيفن كانكر” شخصية الطبيب مخلفاً بصمته على الشاشة بالرغم من قلة المشاهد التي ظهر فيها، أما “اليك بالدوين” فقام بأداء دور الزوج الذي بدا بارداً خالياً من مشاعر التعاطف والاهتمام بما تعانيه زوجته التي يحب، “بينما يدفع تماهي الزوج مع معاناة زوجته في القصة الأصلية إلى إجراء دراسات وبحوث واسعة عن المرض والمرضى بحثاً عن طريقة لمساعدة زوجته”، فأتى أداؤه باهتاً بلا لون ولا أثر ملحوظ، أما جوليان مور فتألقت وأبدعت في تقديم شخصية أليس القديمة والجديدة، وتقمصت الشخصية لدرجة تجعلك كمشاهد تعيش كل ما شعرت به وما مر معها من مصاعب وتطورات طرأت على الشخصية، وتدرك كل لحظة ألم وخوف عانت منها، وربما كان تركيز المخرج على الشخصية الرئيسية للفيلم هو ما ساهم في جعل أدوار الآخرين تبدو باهتة وهامشية.
“مور” نالت جائزة أفضل ممثلة في فيلم درامي من جولدن جلوب، وحازت أوسكار أفضل ممثلة، وجوائز عديدة في مهرجانات أخرى.
ستنتهي مشاهد الفيلم أمامك على الشاشة بالتأكيد، لكنها مشاهد ومشاعر ستبقى عالقة في ذهنك، لأنه يتحدث بلغة المريض المصاب، فيطرح أمامك مخاوفه والذعر الذي يحيط بكل تحركاته، ووقع الخسارة التي يعاني منها في كل لحظة.
بشرى الحكيم