ثقافة

“مجموعات افتراضية” انطلقت من صفحات “الفيســبوك” إلى واقع المبـادرات الخيرية

تتقاطع الحياة الافتراضية مع الواقعية، ويغدو التفريق بينهما أمراً صعباً على عكس ما يبدو، فعلاقة عاطفية تبدأ على مواقع افتراضية تنتهي بزواج واقعي، وسوء تفاهم ينشأ بسبب تعليق افتراضي ينتهي بقطيعة تدوم لأعوام, أما الأجمل في تلك التقاطعات فهو “عطاء وأفكار للتبرع” بدأت بطرح بسيط على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتهت بمجموعة تطوعية حقيقية موجودة على أرض الواقع تزور أسر الشهداء والمحتاجين وتمنحهم ما استطاعت إليه سبيلاً.

وبعد أن تحول عدد من المجموعات  الفيسبوكية إلى جمعيات مرخصة تقيم نشاطات وفعاليات، وتأخذ دورها في  المجتمع، كان لـ “البعث” هذه الوقفة معهم والاطلاع على أهم النتائج الحقيقية لهذه المجموعات، وكيفية اكتسابها للمصداقية في ظل متاهات العالم الافتراضي.

بداية وانطلاقة
تبدو “جمعية صبايا العطاء التنموية الخيرية” دليل ناجح لتلك المجموعات التي التقى أفرادها على صفحة فيسبوكية، لكنهم مالبثوا أن اجتمعوا واقعياً وسبقتهم نشاطاتهم الخيرية إلى كل المحافل، حيث تقول رئيسة الجمعية علياء خيربك: “صبايا العطاء” هي مجموعة فتيات سوريات من كل أطياف المجتمع السوري هدفهن المساهمة في إعادة إعمار سورية ودعم أطفالها الأيتام من أبناء الشهداء والمهجرين والنازحين،  لافتة إلى أن الفكرة بدأت على الفيسبوك، لكن عندما لاقت إقبالاً ونجاحاً في سعيها إلى تأمين مستلزمات الأسر المحتاجة وتنفيذ مبادراتها المختلفة بالتواصل مع جهات أهلية، تم تحويلها إلى جمعية واقعية تم ترخيصها منذ فترة.
من جانبها ترى كندة نصار رئيسة مشروع درب أن المشروع انطلق لأجل سورية وبأيد سوريّةٍ وإمكاناتٍ متواضعة من قبل شبابٍ سوريين آمنوا بحروف هذا الاسم الثلاثي والتي تُختصَر بـ ( دعم، رعاية، بناء) ليرسموا بهذه الكلمات دربَهم التطوعي، وهي عبارة عن مبادرة اجتماعية أردنا أن نُوصِل من خلالها صوتٌ بُحّ على مدى  سنوات الأزمة بأننا باقون بقاء جذور السنديان معتبرةً أن الصفحة على الفيسبوك هي الواجهة الإعلامية الأولى للمشروع من خلالها كنا نستقبل رسائل التحفيز والتشجيع على المضي قُدماً في عملنا التطوعي، وأغلب المتطوعين تواصلوا عبرها وتم قبولهم بعد مقابلتهم، بل والبعض من المتبرعين السوريين المغتربين والموجودين داخل سوريّة كانوا يتواصلون، ليقدموا ما يُمليه عليهم الواجب ويقدمون إمكاناتهم وفاء لسوريّة الأم من خلال مشروع “درب”.

مبادرات مختلفة
وعن نتائج مشروع “درب” تنوه نصار أننا نلمحها في بريق عيون الجرحى أن هناك شباباً في القطاع المدني مهتمين لأحوالهم وسماع قصص بطولاتهم على أقل تقدير، وفي ابتسامات أمّهات الشهداء، وشعور أهلنا الوافدين من كافة المحافظات بأنّهم بين أهلهم في اللاذقية، ولعل من أجمل النتائج لنشاطاتنا هي عندما أرسلنا المياه إلى مدينة حلب في ظلِّ قطع الإرهابيين المياه عنهم، فكانت ترسيخاً حقيقياً لثقافة المواطنة، حيث تجلّت الروح السوريّة بأجمل صورها فـ “درب” تعمل على النهوض بالمجتمع وبواقع الجرحى وذوي الشهداء، بينما تتسع مبادرات جمعية “صبايا العطاء” لمجالات مختلفة -كما توضح خيربك – كإقامة نشاطات ثقافية في القرى وزيارات متعددة لدور الأيتام ومنحهم كافة أنواع المساعدات، كذلك زيارات دائمة لأطفال الاحتياجات الخاصة والشلل الدماغي، وتقديم كل أشكال الدعم للنساء من خلال تعليمهم المهن وتوفير فرص عمل لهن وتوعيتهن في المراكز الثقافية،  بالإضافة إلى دعم أطفال المدارس بالقرطاسية والحقائب المدرسية، ناهيك عن تبني بعض الحالات الطبية الحرجة.

مصداقية  وثقة
وبما أن التمويل ذاتي في جمعية “صبايا العطاء” ترى خيربك أن هذا هو الرد الأقوى لكل المنتقدين والمشككين بمصداقية نشاطاتها الخيرية، فهي قائمة على التطوع غير المادي ومبادراتها جمعياً تحت سقف الوطن والنهوض بسورية، تحت شعار “أمل يُعطى مستقبل يبنى” ومعظمها يتم توثيقه على صفحة الجمعية وعبر أوراق ثبوتية. أما فيما يخص مشروع “درب” فتقول نصار أن أغلب الأعمال التي تقام في المشروع تدرج ضمن نشاطنا على صفحات التواصل الاجتماعي، فعندما يرى الناس ما نقوم به ويلمسوا نتائجه على الأرض من خلال معرفتهم بالناس الذين نزورهم، يتعزز الصدق والثقة بعمل المشروع، أما عن الانتقادات فكانت أغلبها تصب في الرغبة بجعل النشاطات تشمل شريحة أوسع في واقع بات فيه عدد الشهداء والجرحى كبيراً جداً.

سلاح ذو حدين
في النهاية لابد من القول أن الفيسبوك سلاح ذو حدين، يتم توجيهه تبعاً لرؤية مستخدمه وأهدافه، وهذه الجمعيات الخيرية التي استخدمت الفيسبوك منبراً لانطلاقتها الأولى، تجعلنا نمنح ولو قليلاً من الثقة لتلك الصفحات التي احتلت حياتنا من دون أذن.

لوردا فوزي