ثقافة

 صلحي الوادي الموسيقي والإنسان في كتاب

في زمن غياب المشاريع والتقاليد الموسيقية كان من الضروري برأي د.غياث الأخرس مدير المركز الوطني للفنون البصرية إصدار كتاب عن مسيرة الفنان صلحي الوادي كشخصية استثنائية في عالمنا الموسيقي، هذا الموسيقار الذي أرسى دعائم الموسيقا في سورية، مبيناً في تصريحه للإعلاميين الذين حضروا حفل إصدار الكتاب مع لفيف من الموسيقيين أن المركز اعتاد بين فترة وأخرى أن يصدر كتاباً حول إحدى الشخصيات التي كان لها كبير الأثر في مجتمعنا السوري وحياتنا الثقافية، وأن المركز سبق وأن أصدر كتاباً عن الناقد التشكيلي طارق الشريف، وها هو اليوم يصدر كتاباً عن صلحي الوادي، مؤكداً أن أسماءً عديدة سيقوم المركز بإصدار كتب عنها.

صاحب مشروع خلاق

وأشار الأخرس إلى أن الكلام عن صلحي الوادي ليس من السهل بمكان لأنه كان قامة جامعة، فهو لم يكن موسيقاراً ومايسترو فقط بل كان إنساناً مثقفاً ثقافة عالية، عرف كيف يستفيد من عمق الحياة الموسيقية والثقافية في إنكلترا التي درس فيها علم الموسيقا، ليخلق رؤى ويحلم بمشاريع أرادها لمستقبل الموسيقا وهو الذي تتلمذ على يديه الكثير من الموسيقيين، منوهاً إلى أنه ليس كل إنسان بإمكانه أن يكون صاحب مشروع خلاق، لكن الوادي كان كذلك وهو الذي حوّل بيته إلى مجمّع ثقافي يجتمع فيه الموسيقيون والتشكيليون والأدباء والشعراء والمثقفون بشكل عام، وكان يعزف الموسيقا بشكل دائم ويحاور بآن واحد، ولم يخفِ الأخرس أن الوادي كان متطلباً جداً لأن القيم الكبرى برأيه تتطلب ذلك، فهو لم يعرف الحل الوسط في العطاء والعمل على تنفيذ مشروعه، ورحل وهو مسكون بالموسيقا.

رسالة الموسيقا

يتناول الكتاب سيرة صلحي الوادي ومسيرته الطويلة في عالم الموسيقا عبر شهادات لشخصيات موسيقية كثيرة عاصرته أو تتلمذت على يديه، إلى جانب ما كتبته الصحافة عنه وعن إنجازاته الكثيرة في حياتنا الموسيقية والكثير من أقواله في عالم الموسيقا الذي أحبه وأخلص له، وأرشيف كبير من الصور التي توثق أعماله الموسيقية، ومما جاء فيه:

صلحي الوادي علَم من أعلام الفن والموسيقا، وهو مبدع كان يحمل رسالة واحدة هي الموسيقا التي أفنى حياته من أجلها.

كان للوادي حلمان، الأول إنشاء معهد عالٍ للموسيقا، والثاني إنشاء فرقة وطنية سيمفونية.. الحلم الأول تحقق عام 1990 والثاني عام 1993 وفي سيرته جاء أنه ولِدَ في بغداد عام 1934 من أب عراقي وأم أردنية وانتقلت عائلته في مرحلة لاحقة للإقامة في دمشق، وتلقى تعليمه الأولي في المدرسة الداخلية في الإسكندرية وهناك تعرف على الموسيقا الغربية الجادة، وكانت خطوته الثانية تعلّم العزف على آلة موسيقية فالتحق بكونسرفتوار الإسكندرية لدراسة الكمان والتأليف الموسيقي ليسافر بعد ذلك إلى لندن لدراسة الهندسة الزراعية التي هجرها لاحقاً، بعد أن سجل في الأكاديمية الملَكية للموسيقا، ليعود مع زوجته البريطانية وعائلته الصغيرة إلى دمشق وليبدأ العمل على جعل الموسيقا الجادة جزءاً من المشهد الفني، وفي العام 1990 ساهم بتأسيس المعهد العالي للموسيقا وعُيّن عميداً له، واستطاع بذلك أن يؤهل طاقماً من العازفين من الطلاب ليحقق حلم حياته بتأسيس أوركسترا، وتحقق الحلم حين قدمت الفرقة السيمفونية السورية أول حفل موسيقا أوبرالية هي “ديدو واينياس” التي تم تقديمها، ليكرمه بعدها الرئيس الراحل حافظ الأسد بوسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة.

من أقوال صلحي الوادي

< لا شك في أن الوسيلة الوحيدة التي تسمح بارتقاء الآلات العربية وعازفيها، وبالتالي بالموسيقا العربية ككل هي الوسيلة العلمية، وهذه الوسيلة تفرض وجود مناهج تتدرج بطلاب هذه المعاهد من لحظة البدء حتى سبع أو عشر سنوات من الدراسة، ونحن أحياناً لا ندرك أهمية الهمّ الأكاديمي في تدريس الآلات الموسيقية وغياب هكذا مناهج، وتبقى دراسة الآلات الموسيقية العربية فوضوية وتعتمد على اجتهادات شخصية، وغالباً مزاجية ولا تؤدي إلى التقدم المنشود الذي نطمح إليه.

< منذ تأسيس المعهد العربي للموسيقا عام 1960 والمعهد يسعى للارتقاء بالموسيقا العربية من خلال تقديم العلوم الموسيقية للشباب العرب السوريين، وانطلاقاً من هذا فإننا نرى أن ما ينقص الموسيقا العربية منذ أزمنة بعيدة هو العلوم الموسيقية التي استطاعت من خلالها باقي الأمم أن ترتفع بالموسيقا إلى سوية الفن الراقي والجيد، وهذا النقص في العلوم الموسيقية لدينا أثَّر تأثيراً سلبياً على الموسيقا في منطقتنا العربية، ومن هنا انطلقنا من فهم أن أيّ معهد للموسيقا يتم إنشاؤه يجب أن يضع أمام عينيه كهدفٍ أول التربية الثقافية العلمية والإنسانية الموسيقية، والهدف الأساسي للمعهد هو رفع مستوى الموسيقا العربية، والطريق لذلك هو التعليم الموسيقي الحديث.

أخلص لحلمه

وأكّد اندريه معلولي عميد المعهد العالي للموسيقا على هامش حفل إطلاق الكتاب الذي حمل عنوان “صلحي الوادي الموسيقي والإنسان” أنه عنوان يلخًّص حياة الوادي ومسيرته في العطاء الموسيقي والإنساني، مبيناً أن الوادي كرّس نفسه لنوع من الفن الراقي وأسس له في سورية، لأنه كان يعرف قيمة هذا الفن ودوره في بناء الإنسان السوري، ولإيمانه المطلق أن الموسيقا خير سفير لبلدنا في كل أنحاء العالم حيث تختزن داخل علاماته الموسيقية مبادئ وأخلاق المجتمعات، موضحاً أن الوادي وضع نفسه في خدمة المشروع الموسيقي في سورية، وقدم له الكثير، من هنا اعتبر معلولي الموسيقار الوادي قامة موسيقية وإنسانية كبيرة حلم وأخلص لحلمه، وعمل جاهداً لتحقيقه في عالم الموسيقا وأسس لجيل موسيقي تتلمذ على يديه موسيقيو سورية، فكان أول من أسس في سورية لحركة موسيقية أكاديمية.

الموسيقا قبله وبعده

ورأى الناقد والإعلامي سعد القاسم أن أهمية الكتاب تنبع من أهمية صلحي الوادي الذي أسّس للحياة الموسيقية في سورية فالموسيقا قبله كانت مجموعة نشاطات لأشخاص متحمسين ذوي نوايا طيبة وموهوبين، وقد كانت الموسيقا في إطار الأندية وأقرب إلى الهواية منها إلى الاحتراف، لكن ما إن أتى الوادي إلى سورية حتى بدأ بمحاولاته لتأسيس حياة موسيقية بشكل أكاديمي، فعمل على خطين متوازيين لتحقيق ما يريده من خلال بناء مؤسسات موسيقية تعنى بالموسيقا بشكل أكاديمي وعلمي، وخط آخر يقوم على بناء جمهور موسيقي له معرفة وذائقة وقدرة على التعامل مع الحفلات الموسيقية بشكل راقٍ.

نموذج يحتذى به

كما أشار الموسيقي حسام بريمو صاحب الأيادي البيضاء على العديد من الفرق الموسيقية الناجحة في سورية، إلى أن الوادي ساهم في صناعة الموسيقي كمواطن، كما ساهم في صناعة الموسيقي كمتذوق وممارس، منوهاً إلى أهمية وجود كتاب يسلط الضوء على قامات كبيرة مثل الوادي، خاصة أن سورية فيها طاقات وقامات كبيرة من الضروري تعريف الجيل الحالي والأجيال القادمة بها وبما أنجزته، لتكون نموذجاً يحتذي به شبابنا في العمل والاجتهاد.

أمينة عباس