دراساتصحيفة البعث

أردوغان.. في أفق العثمانية الجديدة

سمر سامي السمارة

يتساءل كثيرون حول الأسباب التي تدفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تدمير كل ما وصلت إليه تركيا، والانتقال بها إلى أنموذج الدولة البوليسية القائمة على تحالف تياري الإسلام الراديكالي والقومي المتطرف.

ويرى البعض أن طموح أردوغان لتزعم “العالم الإسلامي” وحلمه في استعادة “أمجاد” الإمبراطورية العثمانية يعتبران سببين رئيسيين للتمدد التركي ومحاولة الهيمنة على الشرق الأوسط والتدخل العنيف في الشؤون الداخلية لدول الجوار، وإحكام الاستبداد السياسي داخليّاً، ودعم التيارات الدينية المتطرفة على امتداد الإقليم.

وفي استعراض خاطف لسياساته داخل البلاد وخارجها، يظهر أردوغان سعيه لإحياء الإمبراطورية العثمانية التي اندثرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حيث يتبنى مظاهر وتجليات الإرث العثماني لتوسيع نفوذه الإقليمي، فيتبع سياسات الهيمنة ويتخذ تدابير قسرية استثنائية لتدعيم سلطاته المطلقة في الداخل. وعلى سبيل المثال، اتحذ أردوغان بعد الانقلاب العسكري “الفاشل”، في تموز 2016، إجراءات وحشية، وضيق الخناق على خصومه السياسيين وكل من اعتبرهم معارضين له. كما استولى على المؤسسات المدنية والحكومية من خلال تمديد حالة الطوارئ مراراً وتكراراً، بدلاً من تعزيز الحريات وحقوق الإنسان.

ويرى محللون أن مغامرات أردوغان العسكرية باتت تشكل إخلالاً واضحاً في توازن القوى الإقليمية، وستقود لعدم الاستقرار والمزيد من العنف. وهكذا، بدلاً من التخفيف من معاناة ما يقرب من 20 مليون تركي يعيشون تحت خط الفقر، ينفق أردوغان المليارات على أطماعه خارج بلاده.

ورغم وجود معارضة في الداخل، تحرك أردوغان لتعزيز نزعته العثمانية لإنشاء قواعد عسكرية في قطر والصومال، وخطط لإقامة منشأة وقاعدة عسكرية أخرى على جزيرة سواكن ذات الموقع الاستراتيجي في السودان، والتي يعزم على استخدامها كموقع عسكري، كما كان الحال في العهد العثماني.

وفي البلقان، تكثف تركيا وجودها التجاري والثقافي بشكل ممنهج، ما يعكس الوجه العثماني لتركيا، ففي ألبانيا تقوم تركيا ببناء خط أنابيب الغاز العابر للبحر الادرياتيكي لتوريد الغاز إلى أوروبا، ويتطلع “كونسورتيوم” من الشركات التركية لبناء المطار الثاني في البلاد.  كما يجري الاستثمار في البنى الأساسية لكوسوفو، وذلك من خلال بناء المطار الدولي الوحيد، وإدارة موارد الطاقة هناك.

وبالإضافة إلى ذلك، يتدخل أردوغان بشكل صارخ في البلدان المجاورة الأخرى – بما في ذلك أفغانستان وألبانيا وجورجيا وكوسوفو – ويمارس ضغوطاً مفرطة على حكوماتها وذلك بالتهديد باستخدام الضغوط الاقتصادية والسياسية ما لم ترضخ هذه الدول لمطلبه باستبدال الكادر التعليمي في المدارس بآخر يؤيد توجهه الديني. وبدلاً من الاستثمار في البنية التحتية والإسكان والتعليم والرعاية الصحية في جنوب شرق البلاد (أفقر المناطق في تركيا)، يقوم بتمويل مشاريع أجنبية تهدف إلى التأثير على التراث الثقافي لتلك الدول والحفاظ على إرث الإمبراطورية العثمانية.

وعلى الرغم من أن تركيا لا تزال تسعى من الناحية النظرية إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن عملية الانضمام تم تجميدها أساساً. وأردوغان بالتأكيد يريد إبقاءها على هذا النحو لأنه لا يرغب بإعادة حرية الصحافة وحقوق الإنسان، وهي الشروط التي يصر عليها الاتحاد الأوروبي قبل مناقشة الانضمام.

كما تضعف سياسات أردوغان مصداقية تركيا كعضو في حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي يجعل من غير المعقول استعداد الغرب للتسامح مع مغامرات أردوغان المتنامية.

إذاً، بدلا من جعل تركيا أنموذجاً للديمقراطية الإسلامية، حول أردوغان تركيا إلى دولة استبدادية تتبع خطى الإمبراطورية العثمانية.. تلك الإمبراطورية التي سيتذكرها العالم دائماً كلما تذكر الإبادة الجماعية للأرمن، لذلك لابد لأردوغان عندما يحاول أن يفتخر بعظمة الحقبة العثمانية، أن يتذكر أن ذلك يثير الرعب في أي بلد يسعى إلى إقامة علاقات ثنائية نشطة معه، لأن هناك دائماً نوايا شريرة مبيتة وراء مبادرات صداقته.