صحيفة البعثمحليات

الحقيقـــةُ أوّلاً..!

في رحلة البحث الشّاقّة عن المعلومة، إثباتاً أو نفياً لما في جعبة الصّحفي من مقدّمات، أو مضابط اتّهام تستلزم التّدقيق والتّمحيص للوقوف الصُّلب على الحقيقة، في قضايا الشّأن العام؛ يغدو التّعاون من الجهات المعنيّة واجباً لازباً، لامنّة أو فضل فيه لأحدٍ على أحد، لأنّ الحقيقة افتراضاً: هي ديدن الأطراف جميعها وهدفها السّامي.!

بيد أنّ سياسة الأبواب المغلقة المُفرطة في الشّخصنة والمركزيّة التي تنتهجها المكاتب الصّحفيّة، في الكثير من وزاراتنا ومؤسّساتنا العامة مُتكئةً على ما تسمّيه: تعاميم وتوجيهات مسؤولها الأوّل؛ ما لبثت تتشيّأ كمتاريس وتتمظهر كخطوط دفاع أماميّة وقائية في وجه الإعلام، ولاسيّما ما كان منه عصيّاً على التّدجين وتدبيج معلّقات المديح، أوالتّصفيق لشخص مسؤولها التّنفيذي الأول وعظيم إنجازاته؛ تنمّ دون أدنى شكّ، عن  فهمٍ قاصرٍ، ومغالطة ذهنيّة عميقة لمفهوم هذه المكاتب ومسؤوليها – سواء أكانوا وزراء أم مديرين عامّين-  للإعلام ذاته بدايةً، ولمفهوم المكاتب الصّحفية نهايةً؛ بما هي مكاتب علاقات عامة في هذه الوزارات والمؤسسات؛ يفترض أن يكون ألف باء عملها؛ متّسقاً مع علّة وجودها؛ ألا وهي: تحسين الصّورة الذّهنيّة للمؤسسة..!

وأن يتعذّر التّواصل المباشر مع بعض الوزراء والمسؤولين التّنفيذيين؛ للحصول على المعلومة الحبيسة لديهم بينما يصرّون على أسئلةٍ مكتوبة ليجيبوا عنها في غياب مُعدّيها الصّحفيين؛ لتأتي من ثمّ الإجابات: إمّا في سياق سرديّات مُملّة عن إنجازات وزارة مغتبطة بحمولٍ كاذبة خارج رحم الواقع، وإمّا كمطوّلات إنشائية بأرقام فلكيّة لا تحترم عقول قرائها؛ تتجاوز فيها نسب الإنجاز حدود التّصديق والمعقول.! فضلاً عن التأخّر في الرّد الذي غالباً ما يُضيّع قيمة المعلومة المتجليّة في آنيّتها والمتجسّدة في لحظيّتها، ناهيك بالإجابات المُبهمة أو الملتبسة التي تفتح باب الاجتهادات والتّكهنات على مصراعيه؛ لَأَمرٌ يشي أيضاً بحجم الفجوة المُصنّعة عن سابق إصرار وتصميم بين المسؤول وبين الإعلام بما هو تعبير عن الضّمير الجمعي، في قضايا الشّأن العام، وناطق رسميٍّ باسم الرّأي العام.

رأيٌ عام؛ يتنافى مع أبجديّته امتناع مسؤولٍ أيّاً كان موقعه، عن التّعاون مع الإعلام في أيّ من وسائله، أو عدم تقديم البيانات والمعلومات وكشف المبهم والملتبس، جلاءً للحقيقة، كهدفٍ سامٍ ونهائيّ لنا جميعاً. وكذا منعُ وزارةٍ لمديريها من التّصريح وقصرُ التّعاطي مع الإعلام على المكاتب الصّحفية فيها، التي يفتقر معظمها الى أدنى درجات المرونة والديناميكية، ناهيك بالإجهاز الكليّ على الآنيّة واللّحظيّة كسمتي نجاح وريادة لأيّ تغطيّة إعلامية..!

والحال أنّ المسؤوليّة الاجتماعيّة لوسائل الإعلام تُرتِّب على أجهزة الدّولة كافة، وعلى المسؤول التّنفيذي أنّى كانت مسؤوليته؛ وزيراً أو مديراً؛  إرساء علاقة ثقةٍ معها، وتمكينها من القيام بكلّ ما من شأنه خدمة الحقيقة، سواء بتسليط الضّوء على السّلبيات والأخطاء ليصار إلى تلافيها وتصويبها، أم من خلال النّقد البنّاء والموضوعي، ومواكبة الرّأي العام بالحقائق؛ احتراماً لعقل الجمهور المتابع، بما ينعكس ارتقاءً بالأداء، وترسيخاً لدولة المؤسّسات..!

أيمن علي

Aymanali66@hotmail.com