ثقافةصحيفة البعث

يوسف عقيل صاغ لوحته ببراعة واضحة ورهافة شديدة

ينحدر الفنان يوسف عقيل من أسرة حلبية عريقة، ولد عام 1953 ودرس في كلية الفنون الجميلة بدمشق قسم التصميم، ثم تخرج فيها عام 1977 بدرجة جيد جداً وأحد العشرة الأوائل على دفعته، أقام معرضه الأول في صالة المتحف الوطني بحلب، ضمّ مجموعة من اللوحات الزيتية عالج فيها موضوعات إنسانية ترتبط بالبيئة المحلية عبر أسلوب تعبيري، وحاول التأكيد فيها على علاقة الإنسان ببيئته، وبدت شخوصه تخفي ملامحها مأساة الإنسان وهمومه، ثم أخذت الملامح الرومانسية المشبعة بالمفردات التزيينيَة والزخرفية في إهاب إضاءة مسرحية تطلّ على لوحته، وتتناول بعض المشاهد الطبيعية والأحياء الشعبية والطبيعة الصامتة.

في عام 1987 أقام الفنان معرضاً في صالة “أمية الزعيم” للآداب والفنون بحلب واشتملت أعماله على الأجواء الرومانسية، فلاقت تجاوباً واضحاً من قبل الذين يقدّرون الفن والقادرين على شراء اللوحات، فأقبلوا على شرائها بأسعار مرتفعة، كما يقول الفنان طاهر بني، ثم أقام معرضاً في “جمعية الشهباء” عام 1989 افتتح فيه عصراً ذهبياً للمعارض الفنية فباع معظم لوحاته.

وتوالت المعارض، فمنها معرض أقيم في صالة “بلاد الشام” بحلب صوّر فيه المعالم الحضارية والملامح التراثية لهذه المدينة، واختار فيه تلك اللحظات التي تمتزج فيها المشاعر مع اللوحة، فتشكل حالة عشق صوفي يتألق في اللوحة، وفيها تغيب التفاصيل الدقيقة بأوشحة الظلال وسطوع الضياء. فتراه يقف أمام نافذة صغيرة يحاور الستائر والحجارة والحواجز المزينة بها. والعصافير التي تنقر أخشابها وزجاجها، ينظم من خلالها أغنية رومانسية يتردّد صداها في أجواء ساحرة حين يستيقظ النور متثائباً عند بوابات الفجر. إن الأشكال والظلال والأنوار كلها تسبح في لجة زرقاء تتهامس مع بعض الألوان الوردية والرمادية ونبرات قليلة من الألوان الأخرى التي تشكّل بمجموعها إيقاعاً غنائياً هادئاً.

في عام 1992 شارك الفنان يوسف عقيل في معرض جماعي، أقيم في دمشق، وأقام معرضاً في صالة “السيد” من العام ذاته، أبرز فيهما البيوت القديمة التي تكثر في حلب والأشجار العارية، اليمام يتوهج بالدفء والبياض، كل هذا يحمل حباً للإنسان والتراث والأسطورة، ضمن أسس دقيقة من حيث المعالجة والدلالات.

إنها لوحات تشبه الأحلام، لكنها أحلام صاغتها عين يقظة تعرف كيف تصنع اللوحة الجيدة، وتعرف مواضع الجمال في البيوت القديمة وتدرك سر لعبة الضوء فتختار من هذا وذاك ما تراه أكثر انسجاماً وأكثر جمالاً، ولا تبتعد في رؤيتها عن الحقيقة، وقد كتب الناقد الفني سعد القاسم في إحدى الصحف: “قد يقال إنها واحدة من تجارب عديدة عشقت المدن القديمة، ولكن أحداً لن يستطيع القول إنها تشبه أياً من تلك التجارب. فهي تجربة تقدّم هويتها الخاصة، منذ بدايتها، حين تسعى لتصوير ما تشاهده كما تعشقه وتتمناه لا كما هو في الواقع”.

وتوالت معارض الفنان، في دمشق، صالة “عشتار” ثم تبعها معرض في صالة “روشان” في بيروت أواخر آذار من عام 1995 وفيه ظهرت عناصر جديدة، فقد عمد في بعض لوحاته إلى تصوير البحر وأمواجه ومحاره وقواقعه.

وفي عام 1998 أقام الفنان معرضاً في صالة “الجابري” بحلب، ضم لوحات جديدة، تبرز الآنية المتخفية وتضمّ باقات من الأزهار والورود التي ارتصفت مع بعضها بحسّ تزييني يعتمد التناظر، وقد غابت في غياهب العتمة دون أن تسمح للألوان بالنفاذ، باستثناء الألوان الحارة، وقد صيغت برهافة شديدة وبراعة واضحة تجعل من الفنان واحداً من أبرز الفنانين المبدعين.

أقام الفنان يوسف عقيل معرضاً في صالة “شورى” بدمشق، وتبعه آخر في الصالة ذاتها عام 2001 ويمكن ملاحظة أنه في هذين المعرضين حاول الخروج عن إبداعاته السابقة، إلى عوالم امتزج فيها الواقعي بالمتخيّل بعلاقات ذهنية ناجمة عن تأملات فلسفية.

لقد استطاعت تجربة الفنان أن تحرز مركزاً مرموقاً في صالات العرض الفنية وتشهد إقبالاً واضحاً من قبل محبيها رغم طغيان التجارب الحداثية التي تفيض بها الساحة الفنية، وهي تربة ناضجة تنهض على عزيمة مبدعها ودأبه المستمر، وإدراكه للنهج الذي يسلكه والفعل الإبداعي الذي يحبه ويؤمن به.

فيصل خرتش