مجلة البعث الأسبوعية

وماذا عن الإيديولوجيا على الصعيد الدولي ؟؟..

د. مهدي دخل الله

اتسعت أزمة الإيديولوجيا في الآونة الأخيرة ، فلم تعد الحروب تُشَنُّ على أساس إيديولوجي بين معسكرات منضبطة ومتفقة في التصورات الفكرية والقيمية للواقع . لكن ، وعلى الرغم من هذا التطور ، ما زالت هناك روابط إيديولوجية متينة في معسكر الناتو ، بينما المعسكر المقابل لا يستند إلى روابط إيديولوجية ، وإنما إلى مبادئ سياسية وقيمية .

ولا تجمع الإيديولوجيا اليوم معسكر الاستقلال ، فلا توجد أي روابط إيديولوجية بين سورية وإيران وروسيا وكوريا الديمقراطية وفنزويلا وكوبا ، الجامع هو مبدأ الاستقلال فقط ، وهو مبدأ جوهري بالتأكيد . لذلك لا يمكن وصف المعركة الحامية بين محور الاستقلال ومحور الناتو بأنها معركة إيديولوجية بالمعنى الذي كان سائداً أيام الحرب الباردة ..

ومع الاحترام الكبير لمبدأ الاستقلال الذي يقسم العالم إلى قسمين : استقلالي وهيمني – عنصري، إلا أن المعركة بين القسمين بدأت تأخذ طابعاً فكرياً شبه إيديولوجيا في الآونة الأخيرة ، مع احتفاظ عامل الاستقلال بأهميته وأولويته .. الحديث هنا عن عنصر أساسي في هذه المعركة وهو عنصر التصدي لمفاهيم الليبرالية الجديدة التي يحاول الغرب زرعها في تربة الحياة العامة للناس ، وإلباسها ثوباً إيديولوجياً ، بمعنى تصور متكامل لمستقبل البشرية .

أول من تحدث عن مخاطر الليبرالية الجديدة وضرورة التصدي لها هو الرئيس الأسد ، أثناء حديثه في ملتقى وزارة الأوقاف ، في 07/ 12/ 2020 . أكد الرئيس الأسد أن العدو الأول للإنسانية اليوم هو الليبرالية الجديدة التي تدعو إلى الانحلال الأخلاقي وإنكار القيم ونبذ الروابط الاجتماعية التقليدية ، كروابط الأسرة وغيرها وكل ما يؤكد إنسانية الإنسان ..

بعد ذلك بعام تقريباً ، أجرت روسيا تعديلات على دستورها تؤكد ضرورة الحفاظ على الروابط الاجتماعية والأخلاق والأسرة في إشارة واضحة إلى التصدي لليبرالية الجديدة . وقبل فترة ، تحدث بوتين عن مخاطر الليبرالية الجديدة وأهمية التصدي لها . بل إن ترامب نفسه شنَّ هجوماً شديد اللهجة ، قبل أيام ، على مروجي الليبرالية الجديدة ، وفي مقدمهم الرئيس بايدن نفسه والتيار الواسع في الحزب الديمقراطي . وهناك في الولايات ضغوط واسعة لإعادة إحياء أفكار جون ديوي التي تؤكد على القيم والروابط الاجتماعية ( الليبرالية التقليدية ) .

لعل مهمة المجتمع عندنا اليوم الانتباه إلى هذا الأمر ، خصوصاً وأن أجيالنا الفتية والشابة تتأثر بكل ما يقدمه عالم الليبرالية الجديدة عبر وسائل تكنولوجيا التواصل المتطورة . حبذا لو ننتبه جميعاً إلى هذا الموضوع الذي قد تلهينا عنه قضايا كبيرة ملحّة ، كالحرب والإرهاب والصعوبات المعيشية ، فالدائرة واحدة ، وهذه الاخطار كلها متشابكة في نسيج واحد .

 

mahdidakhlala@gmail.com