ثقافة

في ندوة “كاتب وموقف” أيمن الحسن:الواقع أغنى من الخيال

لأنه مهندس مدنيّ يعرف ما يحتاجه البناء من أساسات ليستقيم، تساءل الإعلامي عبد الرحمن الحلبي في بداية ندوة “كاتب وموقف” التي أقيمت مؤخراً في مركز ثقافي أبو رمانة عن تجربة الكاتب أيمن الحسن بمشاركة الناقد عمر جمعة: هل انتقلت هذه المعرفة العلمية إلى معرفة فنية قوامها القصة والرواية، مبيناً أن الحسن أيضاً ككاتب يستبدل القصة بكلمة القصيدة في قول محمود درويش: القصيدة رمية نرد على رقعة من ظلام ويمر ببعض من قرأهم أمثال ديستوفسكي وبيكيت وزكريا تامر وتوفيق زياد بقولهم: إن لم تتنفس عبر الكتابة ولم تصرخ أو تغني فلا تكتب أيضاً، ويبدو برأي الحلبي أن الحسن حقق هذه المعادلة حسب وجهة نظره على الأقل، مشيراً كذلك إلى الحضور الشعريّ في مسار سرده والذي يدعو للتساؤل عن مدى نجاحه في أن يكون رافعاً وضرورة فنية لنصه.
وانطلاقاً من مجموعة الحسن التي حملت عنوان “ذات شفق- مدونة عشق” وهي قصص نُشِرت ضمن سلسلة القصة التي ينشرها اتحاد الكتّاب العرب، يشير الحلبي إلى أن قصة ثلاث بيلسانات بدت له وكأنها رواية قصيرة لتعدد الزمن فيها، وهذا برأيه خارج عن شروط القصة القصيرة، بالإضافة إلى ما فيها من تعدد في الأساليب السردية في القصة الواحدة  (قصة الخير مثالاً) متوقفاً الحلبي كذلك وبشيء من الإعجاب عند مقولات كثيرة تشكل حكمة في سرديات الحسن مثل: لكل فكر طعم مختلف.. وكلما زادت حديقة الأفكار تنوعاً باتت ثمارها أشهى.. وجميل أن يموت المرء في سبيل وطنه، والأجمل أن يعيش لأجله، مؤكداً في الوقت ذاته أن لغته العربية أثبتت حضورها في كتاباته، فبدت وكأنها صادرة عن متخصص فيها، منوهاً بإجادته في رسم الشخصية الروائية حيث قدم شخصيات مبتكرة ولكن دون أن يعطيها حقها.

المتعة.. فالمعرفة
أما الكاتب أيمن الحسن فبيّن في بداية كلامه أنه ككاتب عليه أن يكتب ويقدم نتاجه للقراء، متمنياً كأمنية عامة أن تتسع دائرتهم، وكأمنية خاصة أن تصل روايته “أبعد من نهار.. دفاتر الزفتية” إلى أحبته وأصدقاء طفولته الذين تربى معهم في حيّ الزفتية الذي ضمّ بين جدرانه من هجّروا من قراهم في الجولان ليرى كل واحد منهم نفسه في مرآة الحسن الذي يؤكد أنه ورغم أن الحياة لا توصف قد حاول أن يأخذ منها بعض الشذرات ليقول إن هؤلاء الناس الذين هجروا ديارهم لم يتركوا بيوتهم وقراهم إلا عنوة تحت التهديد بقتلهم.
وعن المسافة الفنية الفاصلة بين القصة والرواية حول الزمن يبيّن الحسن أن السرد الذي يمكن أن يتفرع إلى عدة فروع (رواية- قصة- قصة قصيرة.. إلخ) هو نهر كبير، ويمكن في بعض الأحيان أن يخرج من تفريعة صغيرة إلى تفريعة أكبر، أي أن يكتب القاصّ قصة قصيرة ولكن بمساحة زمنية لرواية، والعكس قد يكون صحيحاً أيضاً، مؤكداً أن غايته الأساسية في الكتابة بعيدة عن أي تجنيس لأن ما يهمّه بالدرجة الأولى هو تقديم نص يحقق المتعة للقارئ بغضّ النظر عن جنسه الأدبيّ، ويقدم في الوقت ذاته المعرفة ليقول القارئ في النهاية: لقد استمتعت واستفدتُ من هذا النص.
أما الحب الذي لم يغب عن كتاباته فيراه أمراً طبيعياً وليس بمستغرب، حيث إن الحب برأيه كان ومازال القاسم المشترك لكل الأعمال وقيمة كبرى للكثير من الأعمال العظيمة، مشيراً إلى أن تمرير القضايا الكبرى في كتاباتنا يمكن أن تكون عبر هذا الحب.
وعن أساليبه السردية المتعددة في القصة الواحدة يؤكد أن الناقد هو من يبيّن مدى نجاحه وضروراته في صيرورة الحدث وكذلك القارئ المعني بتقييم استخداماته لهذه الأساليب ونجاحه فيها، موضحاً الحسن أن الحالة الشعرية تنتاب القاصّ والروائيّ حينما يشعران أن اللغة السردية غير قادرة على التعبير، أي عندما تتأزم المواقف في وجه البطل، عند ذلك يصبح مبرراً للكاتب برأيه أن يقفز من اللغة السردية البسيطة إلى اللغة الشعرية الأعمق، معترفاً أنه بالغ في بعض الأحيان في استخدام الشعر في سردياته، وقد وصل إلى قناعة أنه إذا أراد أن يكتب شعراً فليكن ذلك في قصيدة ولذلك هو اليوم بصدد كتابة قصة خالية من الشعر، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن التمازج بين السرد والشعر يخلق تنويعات تجذب القارئ، ومهمته ككاتب أن يورط القارئ بالقراءة سواء كان ذلك بالسرد أو من خلال الشعر.

“دفاتر الزفتية”
يرى الحسن أن وجود الأدب في حياتنا هو لتقوية شخصيتنا وإرادتنا وليجعلنا أقوى في المسائل الصعبة، مشيراً إلى أن وجود الوثائق في رواية “دفاتر الزفتية” هو جزء مكمل للحالة التي نحن فيها، وقد أراد أن يطلع الجيل الجديد على تاريخه، وهذا جزء من مهمته ككاتب، كما أراد أن يقول من خلالها إن هناك حقائق غائبة عنك أيها الجيل لأن من ترك أرضه تركها تحت قوة الوحشية الإسرائيلية.
ويبين الحسن أن الواقع مليء بالشخصيات وأغنى من الخيال، ويكفي الكاتب أن يتأمل قليلاً في هذا الواقع ليحظى بما يريد من الشخصيات، مؤكداً أن الكاتب حينما يكتب ينقل معاناته، وأن الشخصيات التي يحركها ليست خارجة عنه، حيث الخيط بين الكاتب وشخصياته يبقى وإن كان رفيعاً، منوهاً إلى أنه أراد من رواية “دفاتر الزفتية” أن تكون ملحمية فتعددت الشخصيات فيها، معترفاً أنه لن يفعل ذلك في رواياته المستقبلية ليعطي كل شخصية دورها الأكبر لتفعل فعلها الحقيقيّ.

جرعة تجريب عالية
ويشير الناقد عمر جمعة المطلع على تجربة أيمن الحسن الكتابية في كل أنواعها إلى أن هناك جرعة تجريب عالية جداً في تجربته تتجسد في ملامحها بفتح الأجناس الأدبية على بعضها، حيث الحضور الطاغي للجملة الشعرية مثلاً في مجموعته القصصية “مدونة عشق” التي شهدت انتقالات رشيقة جداً باستخدامه مستويات متعددة للسرد، مبيناً أن التجريب الذي بدأ به الحسن بعد تجربته القصصية الثانية “العودة ظافراً” وصولاً إلى الرواية كان لكسر الحواجز بين الفنون الإبداعية، فنرى أن بعض القصص تصلح لأن تكون رواية إن اشتغل عليها فيما بعد، مشيراً إلى أن حضور تيمة الحبّ في مجموعته “مدونة عشق” كانت بمستوياتها الكتابية والإبداعية تتويجاً لمسيرة الحسن القصصية بعد سنوات من الكتابة، حيث تحول قلمه لموشور، وما الأفكار سوى ضوء انعكست فيه ألوان الحب السبعة، وهي اختزال لتجربته في موضوع الحب الذي انحاز إليه بشدة ليتواصل من خلاله مع القارئ والناقد عبر لغة جديدة تحدى فيها النقاد أن يقولوا ما يقولون بها، وفي هذا التحدي -برأي جمعة- إخلاص للفنّ حيث لا يكتفي الحسن بالتركيز على الموضوع إنما يشتغل على القضية الفنية لدرجة تكاد أن تكون قصته صناعة، مؤكداً أن الحسن المسكون بهاجس التجريب كان يستخدم معايير من ذهب في انتقالاته الفنية التي خدمت السرد في سبيل إيصال فكرته إلى القارئ بكل مستوياته.
ويعتقد جمعة أن حضور الشعر في كتابات الحسن ناتج عن قراءاته الشعرية الكثيرة، ولأنه كاتب مثقف يكتب قصة مثقفة يستدعي فيها كل الفنون الأخرى ولا ضرر من ذلك برأيه شريطة ألا يكون الشعر طاغياً على السرد في القصة.
يذكر أن الشاعر خالد أبو خالد  الذي حضر الندوة نوه  في مداخلة له إلى أن أخطر ما يواجه القصة أن تتحول إلى قصيدة، والجميل في تجربة الحسن برأيه أن قصته لم تتحول إلى قصيدة وقد وظف جمله الشعرية لتكون حوامل، مبيناً أنه ليس هناك فن قائم بحد ذاته وهناك تداخل في الفنون، والحسن نوَّع في أساليبه لإيصال أفكاره.
أمينة عباس