ثقافة

فعالية “اللغات والحضارات” ثقافات متبادلة وقواسم مشتركة

شهد المشهد الثقافي السوري خطوة رائدة في مجال الاطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى وآدابها والتواصل مع لغات الأقليات المتداخلة مع نقوش فسيفساء المجتمع السوري ،ضمن “فعالية اللغات والحضارات” التي حظيت بحضور رسمي ودبلوماسي في حفل الافتتاح وتقام على مدى ثلاثة أسابيع في المعهد العالي للغات ،وقد وصفتها عميد المعهد العالي للغات الدكتورة ميساء السيوفي بأنها “منبر ثقافي للتعبير عن لغات وحضارات شعوب صديقة تفاعلت معنا على مدى التاريخ” ،وخُصص الأسبوع الثاني للغة الأرمنية بمشاركة سفير جمهورية أرمينيا البروفسور أرشاك بولاديان .وتنوعت فعاليات الأسبوع الثقافي مابين محاضرات ومعرض شامل لفنون أرمينيا وآدابها إضافة إلى أفلام سينمائية تعريفية ووثائقية ،وترمي هذه الفعالية أيضاً إلى التعريف بالشعب المفتتحة حديثاً في المعهد العالي للغات ومنها شعبة اللغة الأرمنية.
وأُلقيت خلال أيام الأسبوع الثقافي عدة محاضرات افتتحها السفير البروفيسور أرشاك بولاديان بمحاضرة بعنوان “أرمينيا في التاريخ العربي الإسلامي” كما ألقت رئيسة شعبة اللغة الأرمنية في المعهد الدكتورة نورا أريسيان محاضرة عن تاريخ اللغة الأرمنية وتطورها ،عادت فيها إلى تاريخ هذه اللغة التي تشكّلت إبداعاتها الشفهية من خلال الطقوس الدينية والإبداعات الفنية ،وبعد إعلان الديانة المسيحية رسمياً عام 301ميلادي ،ابتُكرت اللغة الأرمنية وأوجد ميسروب ماشدوتس الحروف الأرمنية مستفيداً من اللغات اليونانية والفارسية والسريانية ،ويبلغ عدد أحرفها ( 38) حرفاً، ثم تابعت د.أريسيان مراحل تطور اللغة الأرمنية وتشعبها إلى اللغة الأرمنية الشرقية التي بُنيت على أساس لهجة يريفان واللغة الأرمنية الغربية التي بُنيت على أساس اللغة المستخدمة في استنبول ،والأمر اللافت أنه توجد اختلافات بين اللغتين من حيث القواعد والصرف ،وفي منحى آخر من المحاضرة تطرقت الباحثة إلى حركة الترجمة التي بدأت بالكتاب المقدس ثم تتالت الترجمة عن اللغات الأخرى مثل اليونانية والسريانية واللاتينية والفارسية والعربية ،ومن المفاجآت اللغوية أن 700 كلمة عربية دخلت إلى اللغة الأرمنية ،وبدا تأثر الأرمن الواضح باللغة العربية في شعرهم واقتباسهم الوزن والقافية عن الشعر العربي ،وتحفل المكتبة الأرمنية بقواميس (عربي-أرمني).
كما ألقت الباحثة ناتالي كاريكيان محاضرة بعنوان “مقارنات لغوية بين الأرمنية والإنكليزية والعربية” تناولت فيها بأسلوب تحليلي الفروقات الصرفية بين اللغات الثلاث واختلاف الأصوات والأزمنة ،والغريب أن الجملة الفعلية الأرمنية تبدأ بالمفعول به ثم الفاعل ثم الفعل ،وتوقفت الباحثة عند اللواحق والبوادئ والضمائر التي تستخدم للمؤنث والمذكر في اللغة الأرمنية ،إضافة إلى كيفية نطق الأحرف وأحوال الأسماء، والأصوات التي تأخذ دور الحركات في اللغة العربية ،وأضافت أن اللغة الأرمنية حافظت على وجودها رغم الأوضاع الصعبة وبقيت حتى الآن متداولة في جمهورية أرمينيا والأقاليم المحتلة من قبل تركيا وأذربيجان ،وفي دول المهجر إذ هاجر ما يقارب مليوناً ونصف أرمني إلى أقاصي أستراليا ،وأنهت حديثها بأنه يوجد إقبال واضح على تعلم اللغة الأرمنية حالياً من قبل السوريين والعرب.

أفلام تعريفية ووثائقية
ومن الأفلام السينمائية التي عُرضت ضمن البرنامج فيلم “دار المخطوطات” وهو فيلم قصير صامت يعرّف ببناء دار المخطوطات وأقسامها ،وتحتوي على مخطوطات فارسية ويونانية وعثمانية وعربية من عصور مختلفة ،وتم التركيز أيضاً على قسم ترميم المخطوطات وقسم إصدار نشرات عنها ،وقد حظيت هذه الدار بزيارة الرئيس الخالد حافظ الأسد والرئيس بشار الأسد.
وتميز فيلم “أرمينيا بين الحاضر والماضي” الناطق باللغة العربية من إعداد التلفزيون العربي السوري بجولة اطلاعية شاملة على جغرافية أرمينيا ومناخها وتضاريسها وكنائسها ومعابدها ،إلى ثقافتها ومسارحها التي عرضت أهم المسرحيات العالمية ،إلى فنونها وأشهرها الصلبان الحجرية إلى تقدمها الحضاري الحالي كونها مركزاً من مراكز الاستشراق والدراسات العربية.
وكان الفيلم الأجمل “جامعة يريفان” وهو فيلم تسجيلي ناطق باللغة الأرمنية يبدأ من لقاء مع رئيس الجامعة البروفيسور آرام سيمونيان الذي تحدث عن الجامعة التي يعود تاريخها إلى 90 سنة خلت ،وتضم 20 كلية وأكثر من مئة قسم ،وتحدث عن خصوصيتها ومشروعاتها لتطوير المناهج ومتابعة البحث العلمي ورسائل الماجستير والدكتوراه وتحديث النظام التعليمي والتبادل الثقافي العلمي من خلال الأنشطة والمؤتمرات ،الأمر اللافت أن الجامعة تؤمن فرص عمل لطلابها ،وقد أقحم المخرج في الفيلم التسجيلي مقتطفات وثائقية عن شهدائها الطلبة الذين استشهدوا في حروب أرمينيا وكاراباخ ،واحتفظت الجامعة بصورهم.

معرض أدبي وفني
حفل المعرض بمنمنمات إبداعية للفنانين الأرمن وهي نماذج مصغرة عن المخطوطات الأصلية الموجودة في دار المخطوطات ،كما ضم صوراً عن المخطوطات العربية الموجودة هناك ،وتم تخصيص جانب منه للمكتبة الأرمنية فعُرضت مسرحيات ومجموعات قصصية وكتب تاريخية ،ومن المعروف أن الكتب الأرمنية المترجمة قليلة إلا أن المعرض حظي  ببعضها ،مما يدل على حركة التبادل الثقافي العربي _الأرمني ،وفي منحى آخر زُيّن المعرض بقسم للأزياء التراثية التي تختلف حسب طبيعة المنطقة الجغرافية مثل مناطق يريفان وأورفا وكركاس ،ويطغى اللون الأحمر على جميع الأزياء المزركشة بأشكال النباتات والأزهار.
نجح الأسبوع الثقافي الأرمني في نشر ملامح الثقافة الأرمنية وإيجاد جسر عبور بين اللغتين.
ملده شويكاني