ثقافة

مهرجان الأدب والشعر للشباب.. خطوة في الاتجاه الصحيح

إذا كان لنا أن نقف في دلالة توصيف أدب الشباب، لنجده أكثر اتساعاً من مجرد تحديد المفهوم لجهة (شباب) لطالما نذهب في المفهوم إلى الدلالة المتحركة، أي تراسل التجارب ونضج الخبرات الجمالية وتفاوت المغامرات الإبداعية التي تشكل في نسيجها صورة الثقافة الراهنة، وصورة حركيتها باتجاه انجاز خصوصيات ما في هذا السياق.
فمهرجان الأدب والشعر للشباب الذي تم على يومين في دار أوبرا دمشق، يشكل انعطافة لافتة لصورة الشعر اليوم لا سيما في ضوء تجاربه المعاصرة وتباين الأداء الشعري على مستوى الوعي والأدوات، إن ما يلفت حقاً هنا هو حركة الشعر الجديد وتجلياته الوطنية والإنسانية والرومانسية بطابعها الغنائي المتجدد، مضافاً إليه بالطبع خصوصية الأصوات وتوسلها لأن تنجز تلك الخصوصية مبرأة من الأصوات السابقة عليها، وهذا ما يعطي للتنوع الأسلوبي-الدرامي في معظم القصائد التي أُلقيت لـ 26 شاعراً وأديباً حضوره الدال بحثاً عن فرادة القول الشعري والرهان على شعرية تتعالق بالحداثة والتجريب الفني وتنكب تحرير المعنى.
ليست المسألة إذن في تفاوت الأصوات وهذا -أمر طبيعي- للغاية بل في محاولة اجتراح الأدباء ما يشي بحضورهم في لحظة إبداعية فارقة، بيد أن تجليات ذلك الحضور ستأخذ علاماتها اللاحقة في ضوء حضور القصائد وتلقيها، وسعيها للتشكيل وتجويد البناء وإنتاج لحظتها الشعرية المفارقة والمتماثلة في آن معاً لما كان سائداً شعرياً، وكثير من الأصوات اتكأت على وعيها الخاص لتنتج مساحة من قول شعري تتلامح فيه خلاصة تجربة ترهص بالجميل المختلف وفائض الحماسة لا يعطل استقبالها على مستوى تداولها في الذائقة وفي الدرس النقدي، ذلك أن الأدباء وهم في جلهم يبتعدون عن مغامرة الشكل صوغاً لرؤيتهم لوطنهم سورية في لحظات تجدده، هم الأكثر اقتراباً من اللحظة إذ لا انعكاس فحسب بل تمثل وإنتاج رؤية، على أن تعبير الصور الباذخة في معظم القصائد أحالت إلى ضروب الاعتمال بشعرية الحداثة والإيقاع الداخلي الذي تعالق بالبنى والحالات واللغة وهذا ما أنتج جدلية آثرة، هي جدلية الحالة واللغة وحوارهما الدائم، ومن هنا بوسعنا القول أن المهرجان والذي امتد على يوم إلى يوم ثانٍ لتندغم فيه تجارب شعراء متحققين يمثل في دلالاته الأولى حوار التجارب والأجناس وتراسلهما معاً في صورة متجددة للشعر وأدواره المنتظرة اليوم لرؤية صورة ثقافية منشودة مازالت تؤشر على الراهن الإبداعي وتستشرفه فلا انقطاع مع الماضي في تجليات الحفاظ على الموروث والاتصال بالحداثة جاء بتجليات الوعي المفارق، وهذا ما يصب في دائرة الاستقبال والترحيب واعتبار أن الخطوة جاءت في الاتجاه الصحيح، على مستوى الشعر والقصة وغيرها من أنواع أدبية قُدمت امتحاناً للذائقة أولاً.
وفي حضور دمشق على المستوى الإبداعي ثمة استثناءات استطاعت أن تقارب حالة شعرية أكثر نضوجاً وتمثلاً لماهية الشعر وضرورته الجمالية والفكرية، وذلك ما عبر عنه تلاقح التجارب والسعي لاكتمالها لتشكل في المبتدأ الجزء الباهر من حركة الشعر السوري الحديث في ضوء تراكمه وخبراته، وانفتاح تجاربه على مختلف الأجيال، تفاعل خلاق يشي دائماً بأن ثمة ما هو جديد متجدد من شأنه أن يخلق جدلية التجاوز الأكثر اختلافاً والأقل تماثلاً صوب تحقيق أغراض الشعر والوقوف على تشكيلاته المعاصرة نصاً ورؤية.
أحمد علي هلال