اقتصاد

الفعل هو الأساس

لا ننكر أن حكومتنا تسعى إلى احتواء ما يعتري المواطن من منغّصات أثقلت كاهله، وهي تتابع خطوة بخطوة أثر كل القرارات التي تصدرها ومدى انعكاسها على أرض الواقع، وهذا يدلّ على أنها بصورة الوضع المعيشي وما يكتنفه من وخزات.
إلا أن ما تلجأ إليه الحكومة من معالجات غالباً ما يأتي بوتيرة بطيئة، والسبب في ذلك –على ما نعتقد– يعود إلى عدم وجود البنية التحتية الخدمية والتشريعية المناسبة لبعض هذه الإجراءات بشكل عام من جهة، والبنية النفسية والمعيشية للمواطن –إن صح التعبير- من جهة أخرى.
وللتوضيح نبيّن أننا كمواطنين اعتدنا العيش ولعقود من الزمن وفق مستوى معين سواء من ناحية الأسعار، أم من ناحية نمط الخدمات المقدمة، فأي تغيير يحدث إرباكات يوحي ظاهرها بأنها تستعصي على الحل، كما حصل أيام استبدال الميكروباصات في بعض خطوط دمشق بباصات عائدة لشركات النقل الخاصة، وما جلبته من تجاوزات لا مجال لذكرها الآن جعلتنا نتحسّر على “أيام السرافيس”، وكذلك الأمر بالنسبة لرفع أسعار مشتقات النفط إلى مستويات غير متوقعة، وما أحدثه من تبعات ضاق المستهلك ذرعاً بها..الخ.
مما سبق يتبيّن أن ما يواجه حكومتنا من تحدّيات تمسّ معيشة المواطن اليومية ليس مردّه إلى الأزمة الحالية ولا إلى عدم صوابية ما تتخذه من قرارات فحسب، وإنما إلى تراكم بعض الملفات المتشابكة التي تم تأجيلها حيناً، وترحيلها حيناً آخر من حكومة إلى أخرى، حتى وصلت إلى درجة يصعب التعامل معها إلا بآليات استثنائية!.
فلو أن النهج الحكومي الاستراتيجي اعتمد منذ عقود خلت –على سبيل المثال لا الحصر- على رفد قطاعنا الزراعي بصناعات تتواءم مع ما تنتجه طبيعة كل منطقة في سورية، لاستعضنا عن استيراد كثير من المواد الغذائية وخاصة مشتقات الألبان والعصائر، وبالتالي انعكس ذلك على أسعارها محلياً، وكذلك الأمر بالنسبة لموضوع الطاقة البديلة الذي لم يتم التعامل معه بجدية عبر تشجيع الفلاحين على إنتاج الغاز الحيوي من مخلفات مزارعهم الحيوانية، ولاسيما إذا ما علمنا أن مخلفات بقرتين كفيلة بتغذية منزل كامل بالغاز لأغراض الطبخ والتدفئة وفقاً لإحدى دراسات وزارة الزراعة، وغيرها من المواضيع والقضايا التي باتت تطرحها جهاتنا الحكومية مؤخراً عساها ترأب صدعاً بدأ يتسع شيئاً فشيئاً خلال سنوات الأزمة.
من الآخر… لا نشك بجدية تعاطي حكومتنا مع قضايانا اليومية كمواطنين، لكن ما يؤخذ على هذا التعاطي أولاً هو أنه يأتي أحياناً ضمن سياق ردّة الفعل أوقات الأزمات، وليس المبادرة أوقات الرخاء، وثانياً هناك من يعطل بعض المبادرات لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى بعدم الثقة وخاصة إذا كان أصحابها من موظفي النسق الثاني أو الثالث، فحريّ بأصحاب القرار وضع هذا الأمر بعين الاعتبار، وخاصة في وقت بتنا فيه بأمس الحاجة إلى النهوض ذاتياً باقتصادنا الوطني.

حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com