ثقافة

أدب النصيحة هذا التشويه.. والنقد الذاتي

أكرم شريم
يحدث كثيراً في حياتنا كأفراد وجماعات أن تدفعنا ظروف أو أحداث طارئة أو دائمة كي نوجه النقد لأنفسنا بما فعلنا أو نفعل في ذلك الأمر أو في غيره، سابقاً أو حاضراً، بل وقد يُمعن الإنسان أحياناً في نقده لذاته وتصرفاته!.. وهذا كله حتى الآن أمر طبيعي ومألوف، أما أن تسمع عن نفسك أنك قلت أو فعلت، وفي ذلك الأمر، وفي ذاك الموضوع، وأنت لم تقل ولم تفعل، بل ويزيدون، ويضخمون، وينشرون وباسم أنك تعترف بأخطائك، وتنتقد ذاتك بما يمكن أن يسمى جلد الذات، فهذا مما يثير الاستغراب أكثر وأكثر، بل في هذا ما يجعلك تعيد كل حساباتك مع هذا النوع من الناس، وهذا النوع من الإعلام أيضاً!.
فقد قال أحدهم، في إذاعة عربية، ومن خلال تبادل الآراء بين الدول، حيث يضعون أشخاصاً يتحدثون عن شعوبهم، وقد كان هذا يتحدث عنا نحن العرب والمسلمين في الوطن العربي، قال: «إننا لا نفهم ولا نعرف كيف نتصرف، وإذا اختلطنا بالشعوب المتطورة فإننا نفشل باحترام أنفسنا واحترام الآخر، ولا نستطيع تقدير حقوق الآخر ولا حقوق الإنسان»!.
من المؤكد أن هذه الموجة الإعلامية يروّج لها وينشرها أعداؤنا وأعداء الشعوب، وهم ينشرونها أحياناً، وهنا الطامة الكبرى، حتى في بعض وسائل إعلامنا وعندنا، فإذا كانت شعوبنا الطيبة، ولأنها مؤمنة بالله وباليوم الآخر، هذا فضلاً عن عشرات الملايين من الدارسين والخريجين عندنا في المدارس والجامعات، وكذلك هذه الجموع من المثقفين في الاتحادات من الكتاب، والأدباء، والصحفيين، والفنانين، والمفكرين، كل هؤلاء لا يفهمون ولا يعرفون، فمن الذي يعرف أكثر ويفهم أكثر إذاً؟!.. هل هم هؤلاء الذين يتحلون بهذه الحريات زاهية الألوان، والتي يحاولون تصديرها ونشرها، وجلّها إن لم يكن كلها على حساب حرية الإنسان، وخاصة المرأة وحقوقها في إنشاء الأسرة، والإنجاب، والاستقرار لها ولمن معها مدى حياتها، وأقول وأنا مسؤول عن ذلك، وأمام أية جهة كانت: إن المرأة عندهم غالباً ما تعيش خائفة من الاعتداء عليها، بل وفاقدة للاستقرار الأسري الذي تتطلبه طبيعتها كامرأة، كما أن كثيرين منهم، وأقصد هنا النسبة الأكبر منهم، تعتبر أن الزواج والاستقرار معضلة، وأن الإنجاب والاستقرار معضلة، والسؤال الكبير هنا: هل يختارون هم أنفسهم هذه الحريات، أم أنها مفروضة عليهم وباسم أنها هي الحريات ولا غير!.
وقد قال آخر في إذاعة عربية أيضاً: «مجتمعنا ليس عنده ثقافة زائدة.. وتلزم له السلطة في كل شيء»!.. تصوّر أن مثل هذا الكلام يقولونه عن شعب كبير في هذا العالم، بل وفي تاريخه، وتاريخ حضاراته، يقولون عن الشعب العربي في كل الدول العربية، ومن المعروف موضوعياً أنك إذا أردت أن تطلق تعميماً، فإذا كان هذا التعميم يشمل المئات فقط، ولربما العشرات ولا غير، فإنك تتردد، لأن التعميم قد لا يكون صحيحاً، وبالتالي فهو غير موضوعي، والأدهى هنا أن كل شعبنا في كل الدول العربية، ومن خلال جلد الذات هذا، ومع كل هؤلاء العشرات من الملايين من الدارسين والخريجين ليس لديه ثقافة زائدة، فما المقصود هنا سوى الدعاية لما يحملون مما يسمونه ثقافة، ألا وهو هذه الحريات زاهية الألوان نفسها التي تدفع ثمنها المرأة بالذات، وتحديداً على حساب طبيعتها كامرأة، وماذا يقصد بعبارة: (تلزم له السلطة في كل شيء) غير سحب الحرية منه، وفرض التسلط عليه، وإلا فماذا يعرف الغرب ونحن لا نعرف؟!.. اختراع القنبلة الذرية؟! نحن لا نريد أن نعرف ذلك، وقد ثبت أن الإنسانية كلها تريد التخلص من هذه المعرفة، وكذلك فإن الإنسانية كلها تريد التخلص من حياة العزلة الاجتماعية، فأنت وحيد، والمرأة وحيدة، والصداقة تبحث عنها وتستخدمها، وتذهب ثم تعود تبحث عنها، فأين الاستقرار إذا لم تكن المرأة هي الراغبة والقادرة على التفرغ للأسرة، بل وهي مسؤولة عن الاستقرار وطوال حياة هذه الأسرة؟!.. وهكذا تكون النصيحة اليوم أخذ العلم، وكذلك الحذر من أن يكون النقد الذاتي قد صار وسيلة للتشويه يستخدمه ضدنا أعداؤنا، وأعداء الشعوب؟!.