ثقافة

مع قرب صدور روايته الجديدة “طيور الليل” عبد الكريم ناصيف: تأثر الروائي بالأحداث يضرب مصداقية ما يكتبه

 

بعد روايته الأخيرة “النمس والأفاعي” الصادرة عام 2013 يستعد الروائي عبد الكريم ناصيف لإصدار روايته الجديدة “طيور الليل” المستوحاة –كما يوضح- في حواره مع “البعث” من أجواء روايته الشهيرة “سميراميس” حيث يتناول في”طيور الليل” الرأسماليين الذين يعملون في الظلام، والذين يستغلون البلد والناس وينجزون مشاريعهم وينفذونها من وراء الستار، منوهاً إلى أنه حاول فيها أن يبيّن كيف يعمل هؤلاء وكيف يستغلون ثروات البلد وفقر الناس دون أن يراهم أحد، ولذلك أصر على تسميتهم طيور الليل لأنهم كالخفافيش، يمتصون دماء الناس دون رحمة، مشيراً إلى أن روايته “طيور الليل” لم تتطرق إلى الأزمة وإن صدرت أثناءها لأن مخططها كان قد أُنجِز قبلها، وهذا ما ينطبق أيضاً على روايته “النمس والأفاعي” الصادرة عام 2013 مبيناً أنه اعتاد أن ينجز رواياته مخططاتٍ في وقت من الأوقات وغالباً لا يبدأ بتنفيذها إلا في وقت آخر .في رواية “النمس والأفاعي” المعاصرة بكل ما في هذه الكلمة من معنى يعالج ناصيف موضوع الانتماء إلى الوطن وماذا يفعل البعد عنه، والرواية اجتماعية سياسية بصورة عامة، وهو فيها لم يركز على السياسة بمعنى السياسة بقدر ما أراد أن يركز على ما هو اجتماعيّ، وهي تدور في معظم أجزائها في بلدان خارج سورية (مصر-لبنان-أوربا) من خلال شخصية البطل الذي ما إن غادر سورية حتى شعر بالحنين والشوق إليها وقد شعر أن لا وطن كالوطن ولا أهل كالأهل، وقد حاول أن يعود إليه رغم صعوبة ذلك، وهو حال الكثير من السوريين اليوم الذين أصبحوا خارج الوطن، ويبيّن ناصيف أن هذه الرواية نوع من التنبؤ لما يحدث حالياً، فبدا فيها وكأنه تنبأ بأنه سيأتي يوم يهاجر فيه الكثير من السوريين الذين سيعانون من الاغتراب والبعد عن الوطن ولا يستطيعون العودة إليه، وهذا ما حصل مع بطل رواية “النمس والأفاعي” الذي مات قبل أن يعود.

رواية من وحي الأزمة
ولأن الظروف الطارئة لا بد وأن تترك آثارها على الكاتب وما يكتبه بشكل أو بآخر يصرّح ناصيف عبر صحيفة “البعث” أنه بصدد كتابة رواية لم ينتهِ منها بعد وهي من وحي الأزمة السورية القاتلة بالنسبة للوطن والشعب السوري، مبيناً أن الروائي لا بد وأن يرصد الواقع ليكشف بعض خفاياه وتفاصيله وأحداثه الجارية وهو أمر ليس بالهين برأيه لأن أحداث الأزمة صعبة وهي حالة طارئة وغريبة جداً بالنسبة للجميع لأن الأزمة في سورية أخطر أزمة إنسانية مرت في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية.. من هنا فإن الكتابة عنها لا بد وأن تكون بمستوى حجم وفداحة هذه الأزمة.
ولا يتفق ناصيف مع عدد كبير من الروائيين والكتّاب الذين يرون أن تناول الأزمة عبر رواية من الروايات لا يصح إلا بعد مرور وقت طويل من الزمن حين يوضح أن الرواية بالعموم تحكي عن الماضي ولكن هذا لا يعني تقاعسها عن تناول أحداث آنية وهي قادرة على فعل ذلك خير قيام على الرغم من صعوبة الأمر باعتبار أن الروائي لا يستطيع أن يكتب عن أحداث آنية إلا بعد أن يتحقق من صحة الكثير من التفاصيل والقصص، وهو إن نجح في ذلك ينشر رواية ذات مصداقية كبيرة ستكون شاهد عيان حيث الروائي يسمع بأذنه ويرصد أحداثاً بشكل مباشر من خلال معايشته لها، ومن هنا تأتي أهمية هذا النوع من الروايات قليلة الصدور أصلاً لأنها روايات بنت الساعة التي تعتمد على الشهادة المباشرة والمعاناة، موضحاً أن الكتابة عن الماضي أسهل من الكتابة عن الحاضر باعتبار أن الكتابة هنا محفوفة بالكثير من المخاطر وفي مقدمتها عدم التحقق من صحة الكثير من الوقائع ذات التأثير الكبير على الحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية للإنسان، ولذلك ينوّه ناصيف إلى أن الكتابات الروائية الآنية لتكون صادقة وحقيقية يجب أن يتصف الروائي بالموضوعية كالمؤرخ تماماً بحيث لا يكتب على هواه، مشيراً إلى أن الروائي الذي يكتب روايات مستوحاة من الماضي يرى المشهد من بعيد دون أن يتأثر به، في حين أن الكتابة عن أحداث تجري الآن لا يمكن لها إلا أن تؤثر على الروائي، وهنا تكمن صعوبة هذه الرواية لأن تأثر روائي بالأحداث يضرب مصداقية ما يكتبه، وبالتالي فإن الروائي واسع الأفق والمزود بالمعرفة الصحيحة والمنطق السليم هو الذي يكتب بشكل موضوعي في رصده للأحداث، خاصة عندما يكون هدفه الوطن وإخراجه من هذه الأزمة والإشارة إلى الأخطاء التي حدثت بهدف تصحيحها منعاً من الوقوع فيها مرة ثانية، ويعتقد ناصيف أنه لدينا روائيون يمتلكون من الوجدان والضمير ما يجعلهم يكتبون لمصلحة الوطن لأن مهمة الروائي برأيه يجب أن تكون اليوم الإشارة إلى الأسباب التي يمكن أن تساهم في حلّ الأزمة الخانقة، وكذلك الإشارة إلى الأخطاء والدعوة إلى الاتعاظ منها.
ويشير ناصيف إلى أنه وبحكم وجوده في لجان القراءة في وزارة الثقافة قرأ مخطوطات روائية تناولت الأزمة، ويؤسفه أن أهم مطبات هذه الكتابات هي عدم الموضوعية والحماس الشديد والتعصب، وهذا كله يضرب الرواية في الصميم، أما ما صدر من روايات خارج سورية فيعترف ناصيف أنه لم يطلع عليها.. وبالعموم يؤكد أن من يريد أن يكتب عن الأزمة لا بد وأن يكتب عن السلبيات والإيجابيات، وهناك برأيه الكثير من الصعوبات التي تمنع الروائي من فعل ذلك.

الرواية ليست تأريخاً
ويوضح ناصيف أنه لا يمكن أن تكون الرواية تأريخاً لأن الرواية تختلف عن التاريخ اختلافاً جذرياً، والروائي يقدم في رواياته مجموعة من العلامات والصور يقوم القارئ بتأويلها وتفسيرها كما يشاء، وكلما كان قريباً من الموضوعية والواقعية كان الروائي متمكناً من فنه وقادراً على الدخول إلى عقل القارئ وقلبه وقد يغيره ويؤثر فيه وبقناعاته، وهذا هو الهدف لأن الكاتب عندما يكتب يسعى إلى تقديم آراء من خلال الرواية التي هي عمل أدبي يحتوي أفكاراً معينة يسعى الكاتب إلى إيصالها.
ويرى ناصيف أن الرواية التاريخية هي التي تتناول بأسلوب أدبي مرحلة من الماضي التي لم يعد لنا بها علاقة ولا تأثير، في حين أن التأريخ هو عمل تقريري رصين لا يحتاج إلى الخيال الذي تحتاجه الرواية.
ويختم ناصيف مشيراً إلى أنه عاد إلى الترجمة منذ فترة بعد أن كان قد توقف عن العمل في هذا المجال من خلال كتاب “لماذا لستُ مسيحياً” للفيلسوف البريطاني برتراند راسل وهو مجموعة مقالات تناولت موضوعات فكرية وآنية وكتاب فلسفي آخر صدر عن دار الفرقد، موضحاً أنه عاد إلى الترجمة بعد التقاعد وبعد أن بدأت تطلب منه بعض دور النشر ترجمات وتأتيه بالكتب لفعل ذلك.
أمينة عباس