ثقافة

أصعـــب مهنــــة فـــي العالـــم

وقد قامت إحدى الشركات بابتكار وظيفة نشرت الإعلان عنها في الصحف والمواقع الالكترونية، سمتها بالـ”الوظيفة الوهمية”، وأجريت المقابلات على الانترنت عبر الكاميرا، ورغم غرابة اختيار طريقة المقابلة إلا أن الشركة استطاعت جذب عدة أشخاص قاموا بهذه التجربة.
في البداية، صرح صاحب العمل أن الوظيفة ليست مجرد وظيفة عادية، إنما هي -ربما- أهم وظيفة في العالم، واسمها حالياً هو “مدير العمليات”، لكن الحقيقة أكبر بكثير، والمسؤوليات والمتطلبات فيها واسعة جداً، القسم الأول للمتطلبات سيكون “الحركة”، فهذه الوظيفة تتطلب الوقوف على القدمين والانحناء طول الوقت، وتتطلب أيضاً مستوى عالٍ من قدرة التحمل، دون وجود فرصة للجلوس هنا أو هناك، ودون فترة “استراحة”، بالإضافة إلى عدم حصول الموظف على فترة الغداء إلا بعد أن ينهي المدراء غداءهم، وكانت الصدمة للراغبين في التوظيف أن الوظيفة تحتاج من 135 ساعة إلى عدد لا محدود من الساعات في الأسبوع (مع العلم أن عدد ساعات الأسبوع 168 ساعة) أي ما يعادل 24 ساعة باليوم وبمقدار 7 أيام في الأسبوع، دون أي إجازة حتى أيام العطل التي تعتبر بمثابة راحة، لكن الأمر في هذه الوظيفة مختلف وأسوأ، وضغط العمل يزيد باستمرار، ويجب تقبل الأمر بكل سعادة وسرور، ومن الشروط أن تكون علاماته ظاهرة على تصرفات الموظف.
في الحقيقة، أكد الجميع –للوهلة الأولى- أن هذا الأمر وحشي وغير قانوني، وكأنها وظيفة أشبه بالخيال بالإضافة إلى أنها سيئة ومتعبة جداً، فالعمل يتطلب 365 يوماً في السنة، وبالتأكيد هذا غير إنساني وغير منطقي، وليس هناك أي وقت لأخذ قسط من الراحة أو النوم.
وانطلاقاً من هذا، يؤكد صاحب الشركة أن الوظيفة تتطلب مهارة عالية في التفاوض، ومهارة شخصية ممتازة، ويجب على الموظف أن يكون حاصلاً على شهادة في الطب، وشهادة في التمويل، وشهادة في الفنون، وقادراً على العمل في بيئة فوضوية، والتخلي عن حياته الخاصة، بالإضافة إلى القدرة على لعب الكثير من الأدوار، فالمدراء يحتاجون لاهتمام متواصل ودائم، وقد يتطلب الأمر السهر طوال الليل معهم، أما عن الأجر أو الراتب فالوظيفة لن تدفع شيئاً على الإطلاق، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يقوم بهذا مجاناً، ومن المستحيل أن يعمل أحد في هذه الوظيفة. الحقيقة  لم يحظ صاحب الشركة بأي موظف يتحمل هذه الشروط، فالجميع أجمعوا على أن “هذا جنون”، لكن بالمقابل –يقول صاحب الشركة- إن العلاقات المليئة بالمعاني التي تتكون، والشعور الذي يحصل عليه الشخص من مساعدة هؤلاء المدراء لا يمكن قياسه، وهو شعور لا يوصف أبداً، وهل يمكن التصديق أن هناك من يعمل في هذه المهنة؟ والجواب أن مليارات الأشخاص في الواقع يقومون بهذه المهام؟؟.
من خلال أحداث هذه المقابلات تراود إلى ذهني سؤال هام: من يمكن أن يكون هؤلاء المدراء؟ من أي طينة بشرية هم؟ ولم يخطر في بالي أن أكون منهم، لكن الأمر غير المتوقع، وإن أخذنا وقتنا في التفكير يمكن أن نعرف أن المدراء هم الأولاد، ومن يمكن أن يكون سواها “الأم” صاحبة هذه الوظيفة، بالفعل هي تلك المرأة التي لقبّها صاحب الشركة بـ”مدير العمليات” فهي دائماً تحقق كل المتطلبات، وهي الأفضل. في الواقع، كل ما ذكر في الإعلان هو صحيح ومؤكد، فالأم تسهر كل الليالي من أجل أولادها، ولا تحصل على أي إجازة، موجودة دائماً، وعاطفتها لا يمكن أن تمحى من قلبها وعقلها، فلا تمل العطاء، وحنانها لا يدانيه حنان، والجمال تملكه وحدها، والخير يملأ الحياة بقربها، والفرح تنشره في القلب دون مقابل، لذلك الكلمات لا تكفيها فهي أغلى، هي البيت بأمنه، والدنيا بأسرها، دائماً وأبداً سيكون رجائي لله أن يكون عمرها من عمر السنديان، وأن تظل متجذرة في البيت، فكل سنة وهي مصدر ضحكتنا وفرحتنا، وكل سنة وهي أجمل وأنقى.
جُمان بركات