ثقافة

تظاهرة البيانو في دار الأوبرا لأول مرة أسلوب العزف المزدوج بأداء أكاديمي احترافي

قيل الكثير عن آلة البيانو التي تغني عن أوركسترا كاملة، وشبهها الفلاسفة بلحن الحياة الذي يعزف على أوتاره نغمات الحزن والفرح، هذه النغمات كانت حاضرةً بقوة في الأوبرا من خلال أسبوع تظاهرة البيانو على مدى ثلاث أمسيات، قدمت مقطوعات عالمية لأهم الموسيقيين العالميين الذين كتبوا أعمالاً لآلة البيانو، وفي الوقت ذاته أغنت هذه الأمسيات ثقافة الجمهور النخبوي الذي خيم عليه الصمت المطبق، بالتعرّف إلى خصائص آلة البيانو وأساليب العزف المنفرد والمشترك كعمل جماعي، لاسيما في الأعمال التي كُتبت للعزف المزدوج، وأظهرت أيضاً التعاون الموسيقي بين العازفين السوريين الذين حققوا نجاحات عالمية وبين العازفين الأكاديميين الجدد.

الأمر اللافت هو ثنائية الأداء للعزف المزدوج على آلة البيانو وإظهار تقنية تداخل الأصوات في زمن واحد، وتعود المقطوعات إلى العصر الرومانسي الذي غلبت عليه سمات المدرسة الرومانسية، وتناوبت بين الفالس والرقصات والمراثي.
أسبوع تظاهرة البيانو كان فرصة أيضاً لتبادل الآراء بين الموسيقيين المتخصصين بالعزف على آلة البيانو كمهنة وليس هواية لطرح مشروعات تشاركية جديدة.

الفالس الكبير
في الأمسية الأولى التي قدمتها العازفة ساندي بل نخلة –التي شاركت في ورشات عمل مع عازفين عالميين روس وتأثرت بأسلوبهم، كانت أشبه بافتتاحية تخصصية لمقطوعات من أعمال الموسيقي شوبان الذي اشتُهر بتقنيات خاصة تميّز أداءَه الاحترافي، منوعة بين مقامات المينور والماجور من خلال أنماط موسيقية متعددة مثل “بولونيز وبالاد ونوكتورن وسكيرزو، ودراسة مقام” أغنت ثقافة الجمهور بجزئيات موسيقا شوبان المألوفة بخطوطها العريضة بالنسبة لمحبي موسيقاه غير المتخصصين. وكما ذكرت نخلة فإنها اختارت عزف مقطوعات من موسيقا شوبان وهو بولندي الأصل من أوروبا الشرقية، حيث تشترك بلاد البلقان بذوق موسيقي معين، والسبب الأهم أن من يعزف لشوبان يستطيع أن يعزف لأي موسيقي آخر.
بدأت نخلة بعزف الفالس الكبير كما أطلق عليه شوبان من مقام مي بيمول ماجور مصنف رقم 18 فتناوب الفالس بعدة مستويات وعدة ألحان ذات إيقاع واحد ونغمات هادئة تخللتها فواصل حادة، يتغير بعدها الرتم الموسيقي الراقص ليعود إلى النغمات الهادئة، وبدت هذه المقطوعة الأقرب إلى الجمهور لأن موسيقا الفالس نمط يتكرر عزفه في الأمسيات الكلاسيكية.

“نوكتورن “وأضواء الشموع
وقدمت في الأمسية أيضاً أنماط تخصصية رومانسية وراقصة وشعبية وتراثية كما في نمط بالاد مقام صول مينور عمل رقم 23 وتعني القصيدة الشعرية، لتنتقل إلى”نوكتورن مقام مي بيمول ماجور عمل رقم9- 2 ونوكتورن مقام دو مينورعمل48 -1وهي مقطوعات رومانسية ترافقها أجواء الحب وأضواء الشموع والألحان الصوتية الحالمة والخيالية، لتتبعها رقصة بولونيز مقام دو دييز مينور مصنف1-26،وهي تمثل -كما تقول نخلة -الدبكة الشعبية البولندية الصاخبة، وفي القسم الأخير من الأمسية ارتأت نخلة أن تقدم مقطوعات دراسة مقام كما في “دراسة مقام لابيمول ماجور مصنف رقم 25-1، وكما أوضحت فإن دراسة المقام تعني تمرين العازف على مشكلة تقنية يختارها المؤلف ليصبح العازف متمكناً منها.وانتهت الأمسية بمقطوعة “سكيرز التي تعبّر عن رقصة فرحة سريعة تبوح بحب الحياة.ومقام سي بيمول مينور مصنف رقم 31”  التي تميّزت بإيقاعات صاخبة وسريعة جداً، لكن المقطوعة المميزة كانت الفانتازيا الارتجالية.

البيانو بين الدورين
في الأمسية الثانية تعرّف الجمهور لأول مرة على تقنية أسلوب العزف المزدوج الثنائي وتشاركية الأيدي في عزف المقطوعات،التي تقدم عدة أصوات كُتب بعضها للبيانو وبعضها الآخر كُتبت لأوركسترا تحوّلت إلى بيانو من قبل المؤلف ذاته أو غيره، بدا للوهلة الأولى أسلوب العزف المزدوج غريباً بعد أن اعتاد الجمهور على ظهور عازف البيانو بشكل منفرد، فكما ذكر المايسترو باغبودريان أنه عزف الدور الثاني أصوات الباص لطبقات الصوت المنخفضة والحادة،والتي يطلق عليها الأصوات الغليظة التي تتميز بقوة الصوت، وعزفت راما نصري الدور الأول  المساحة العالية للأصوات اللماعة مثل أصوات آلة الكمان والفلوت”،تنوع برنامج الأمسية  بين عدة مؤلفين من عدة بلدان ومدارس بين المتتالية والرقصات والمراثي والمارش،ووفق النوتة الموسيقية للأدوار التي يكون فيها لحن أساسي ولحن مرافق مع وجود فواصل في مواضع لأحد العازفيَن.

مزاج صباحي
وتميزت مقطوعة غابرييل فوريه مرثاة رقم 50 بالمغامرة الهارمونية وبأعمال الميلودي والقداسات الجنائزية التي تغمرها نغمات حزينة تعبّر عن السكينة،وهذا ما بدا بنغمات المقطوعة التي تشبه فصول رواية بأصوات متعددة لنغماتها الحزينة،في حين شغلت متتالية بيير غنيت رقم 1 مصنف رقم 46لإدوارد غريغ الحيز الأكبر للأمسية لمقطوعات عدة “مزاج صباحي” الملونة بنغمات رقيقة تتبعها فواصل حادة كما في “موت آزي” لتتغير الألحان مع الإيقاع الدرامي لرقصة “انتيرا” التي تميزت بإيقاع سريع يعبّر عن شخصية هذه المرأة اللعوب،إلى أجواء الموسيقا الرسمية “في بلاط الجبل الملك” تعود النغمات الهادئة مع جوستاف ماهلر “أداجييتو من السيمفونية رقم 5”.

الموكب القادم
المقطوعة المميزة في الأمسية كانت لأنطوني دفورجاك من “الرقصات السلافية” رقصة مصنف 72رقم 2، ورقصة مصنف رقم 46رقم 8″ أي الرقصات الشعبية، وهي حسب باغبودريان، مختلفة بتقنياتها وألحانها عن رقصة انتيرا لأنها تعبر عن ثقافة مختلفة،وقد اتسمت الألحان بإيقاع تصاعدي يظهر جمالية الرقصة وقوة الصوت باستخدام باغبودريان (دواسة البيانو) التي تزيد من قوة الصوت فأوحت النغمات بتخيّل مشهد راقص، لتنتهي الأمسية بموسيقا المارش المعروفة بجمل لحنية متقطعة متصاعدة وسريعة، لكنها بدت في مقطوعة مارش سلاف مصنف رقم 31 لبيتر تشايكوفسكي أكثر بطئاً وهدوءاً، وهذا يعود إلى رؤية الموسيقي وإحساسه كما تخيّل باغبورديان الموكب القادم من بعيد.

ملده شويكاني