ثقافة

عمالة الأطفال في الدراما.. “عابرو الضباب” نموذجاً

في كل موسم تطرح الدراما السورية حكايات مختلفة، تعرض بعضها برؤية واقعية حسب مسيرة أو تسلسل الحدث، والبعض الآخر يُعرض برؤية مستقبلية عسى أن تكون حلاً أو علاجاً لأي مشكلة يمكن أن تطرق باب المجتمع السوري، وتعود بانعكاساتها السيئة على الجميع. في الحقيقة هذا ما اعتدنا عليه في الأعمال الدرامية لمواسم سابقة، حيث تمثل الدراما شئنا أم أبينا مرآة تعكس قضايا المجتمع وظواهره، حتى وإن تفاوتت أساليب تناولها لتلك القضايا ومعالجتها، وهذا ما لمسناه في الموسم الدرامي لهذا العام حيث تم طرح ظواهر اجتماعية قديمة جديدة، لكن الدراما اكتفت بالإشارة إليها، ومن هذه الأعمال مسلسل “عابرو الضباب” تأليف بشار مارديني وإخراج يزن أبو حمده، وإنتاج شركة (FTC).
وقد حضرت ظاهرة عمالة الأطفال في هذا العمل وتم عرضها بأشكال عديدة أهمها تشغيل الأطفال وتسخيرهم في أعمال غير مؤهلين للقيام بها لا جسدياً ولا نفسياً. ويشكر القائمون على العمل على تناولهم لهذه الظاهرة المنتشرة الآن بقوة، حيث شكلت الحرب انعكاساً سيئاً لها، لكن مايستحق التوقف عنده رغم إدراكنا أن الدراما ليست مطالبة بحلول، بل مهمتها الإشارة إلى بارقة حل من خلال طرح الموضوع وأسلوب معالجته، خاصة وأنه يحق للدراما ما لايحق لغيرها، كونها تدخل إلى كل بيت، وتفرض نفسها بكل ما في جعبتها من موضوعات وأفكار، وفي “عابرو الضباب” تمت الإشارة إلى عمالة الأطفال هذه الظاهرة التي استشرت في المجتمع،  فقد تطرق العمل إلى آلية تشغيل الأطفال واستغلال ظروفهم لجمع المال من قبل -مافيات صغيرة – يعملون بطريقة مبتكرة حيث يمكن إقناع الطفل بالمبادئ السيئة والجيدة- بسبب أنه كالعجينة، يتشكل ويتكون بحسب المؤثرات التي يتعرض لها، ويتم توظيفه من قبل بعض أرباب العمل الفاسدين الذين يفضلون الأطفال على الكبار لأنهم “أرخص”، وبدورهم يزرعون فيهم قيماً غير أخلاقية ولا إنسانية، لتصبح على المدى الطويل مبدأ يتفاخرون به، وفي النهاية يقول الطفل: “أنا هيك تربيت” وهنا يبرىء نفسه من الملامة، فهذه أصبحت مفاهيمه وتلك هي ظروفه، ويحمّلون الطفل أعباء ثقيلة عليه تهدد سلامته وصحته ورفاهيته، وهنا يبدو واضحاً استغلال زعيم المافيا لضعف الأطفال وعدم قدرتهم الدفاع عن أنفسهم وحقوقهم، فهم مستغلون كعمالة رخيصة بديلة عن عمل الكبار، وهو عملياً شيء مناسب ليلتفت لأعماله الأخرى التي يمكن تسميتها بـ”الأعمال الخيرية”، فالصغير لا يشكو ولا يطلب، كل ما عليه هو سرقة المال أو طلبه من الناس وعابري الطريق. عبر مشاهد العمل نرى كيف يتم استغلال الأطفال لأبعد الحدود، وعدم المساهمة في تنميتهم العقلية والجسدية الأمر الذي يعيق تعليمهم وتدريبهم وتغيير حياتهم لبناء مستقبلهم، واقتصر الأمر على عرض الظاهرة، دون طرح أي حل أو علاج لها، حيث أصبحت تشكل مأزقاً حقيقياً، في ظل أزمة عززت الفقر والتشرد والهجرة من البيوت.
بالمقابل لا يمكن أن ننكر وجود الكثير من الأطفال يعملون لمساعدة أسرهم بطرق لا تنطوي على ضرر أو استغلال، ويمكن أن تكون تحت وصاية الأهل من خلال تقديم كل وسائل الدعم المعنوي، وزرع القيم الإنسانية الصحيحة حماية لحياتهم المستقبلية. وفي عودة لظاهرة عمالة الأطفال فإننا نؤكد على دور الدراما الاجتماعي ففي هذا العمل “عابرو الضباب” لم تقدم أي حل لهذه الظاهرة، بل مرت عليها مرور الكرام لتبقى ضمن دائرة إشكاليات المجتمع التي تحتاج إلى حلول جذرية، ومع ذلك يحسب لمؤلف ومخرج العمل إثبات حضورهما على خارطة دراما هذا العام رغم أنها تجربتهما الأولى، مما يؤكد على الحالة الواعدة للجيل الشاب من مؤلفين ومخرجين وممثلين سيكونون هم مستقبل الدراما بجدارة.

جمان بركات