ثقافة

سومر النجار: ليس هناك أغنية سورية واحدة

بعد غياب لمدة سنتين عن المكان الذي يعشقه عاد الفنان سومر النجار للوقوف على خشبة مسرح دار الأوبرا من خلال الحفل الناجح  الذي أقيم مؤخراً ليقدم لجمهوره الكبير الذي حضر مجموعة من الأغاني الطربية الأصيلة، واعداً الجمهور كمغنٍّ حلبي بتقديم أغنية خاصة لمدينة حلب قريباً بعنوان “شهبا يا نور عيوني” كلمات صفوح شغالة ألحان جورج ماردوسيان .

انتمائي الأول
ويبيّن النجار أنه اشتاق لمسرح دار الأوبرا وهو المكان الذي تعوّد منذ أن كان طالباً الوقوف على خشبته والغناء فيه، وأوضح أنه كان حريصاً بعد هذا الغياب على اختيار الأغاني التي سيغنّيها بعناية فائقة ولذلك اختار مجموعة من الأغاني التي ما زالت في ذاكرة الناس، إلى جانب أعماله الخاصة التي عُرِف بها كمغنٍّ والتي تلامس أوجاع الناس، ومجموعة أخرى من الأغاني التي قدمها أصحابها ولم يتناولها أحد، وحاول من خلال هذه الباقة من الأغنيات الجمع بين ما هو معروف وما هو جديد، ونوه في الوقت ذاته إلى أنه كان حريصاً على تقديم هذه الأعمال ببساطتها ودون أية مبالغة موسيقية حتى لا تضيع خصوصيتها.

جمهور ذكي
ولإيمانه بأن الجمهور هو الحَكَم الذي يقيّم أهمية ومستوى ما قدمه يؤكد النجار أنه يحترم ذائقة الجمهور المتعطش لأن يستمع لما يليق به وهو الموعود بما هو جميل، وبيّن أن جمهورنا ذكي بشكل عام وأن رواد مسرح دار الأوبرا يقصدون هذا المكان طلباً للموسيقا الراقية البعيدة عن الموسيقا التجارية، وأشار إلى اختلاف الأذواق بين هذا الجمهور ويسعده كثيراً وجود جيل من الشباب الواعين والمتعلمين الذين يبحثون عن هذه الموسيقا وهم شريحة واسعة بعكس ما يظن البعض من أنهم جيل يركض وراء كل ما هو تجاري.

غياب شركات إنتاج
وعن سبب قلة أغانيه وحفلاته يوضح أن الصعوبة تكمن في الإنتاج وعدم وجود شركات منتجة للموسيقا والغناء في سورية، وبالتالي قد يكون المغنّي قادراً على إنتاج أغنية أو أغنيتين لا أكثر في ظل التكاليف الباهظة التي يحتاجها إنتاج أية أغنية بدءاً من اختيار الكلمة واللحن والتسجيل واختيار الأستوديو المناسب الذي يخدم العمل ومروراً باختيار الموسيقيين الجيدين لتنفيذه ومن ثم تصويره كفيديو كليب وانتهاءً بالتسويق والترويج والإعلان له عبر وسائل الإعلام المختلفة، وبالتالي فإن استمرار المغنّي مرتبط بوجود شركات فنية رسمية وغير رسمية على غرار شركات الإنتاج الفنية الموجودة في دول شقيقة وهي شركات رابحة، خاصة إذا عرفنا أن عائداتها من بيع الموسيقا والغناء أكبر من عائدات من يعمل في المجال الدرامي من خلال بيع الأغنية بطريقة الديجيتال ومن خلال الحفلات التي يقيمها المغنّي وهي مستمرة في عملها بفضل وجود قانون حماية الملكية وحقوق النشر الذي يضمن حقوقها بشكل كامل، في حين نجد وعلى الرغم مما سبق قوله ابتعاد أصحاب رؤوس الأموال في سورية عن الإنتاج في هذا المجال رغم كل المغريات وذلك بسبب عدم تفعيل قانون حماية الملكية وحقوق النشر الذي يضمن حقوقهم المادية.
ولا ينكر النجار دور دائرة الموسيقا في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في إنتاج بعض الأغاني، لكنه يأسف لأن معظمها يوضع على الرفّ في ظل غياب أية خطة لتسويقها أو الترويج لها إعلامياً حيث تكتفي بعض المحطات التلفزيونية والإذاعية بإذاعتها بشكل غير مدروس.. ومن هنا يتساءل لماذا لا توجد محطة تلفزيونية خاصة بالموسيقا والغناء على غرار قناة الدراما المختصة بالأعمال الدرامية للترويج لأعمالنا الموسيقية والغنائية، خاصة وأن سورية تملك طاقات ومواهب فنية كبيرة وقادرة –إن أُحسِن توظيفها- على إعلاء صوت الموسيقا في أرجاء سورية.

بيت جدّي
ولأنه يملك رصيداً جيداً من أغاني الشارات التلفزيونية والإذاعية ارتأى النجار أن يقدم إحداها في حفله وهي شارة مسلسل “بيت جدّي” وأشار إلى أهمية مشاركة أيّ مغنٍّ في الشارات التي تحقق –بفضل انتشار الدراما السورية- الشهرة لمغنّيها، خاصة إذا حقق العمل الدرامي النجاح، موضحاً في الوقت ذاته أن شارة العمل يجب أن تكون ملخصاً لمضمونه وهو مع الأغنية التي تتضمن حكاية ومعنى درامياً لأن ذلك يساهم في أن تبقى في ذاكرة مستمعيها، خاصة إذا كانت قائمة على كلمات تلامس الناس بأفراحهم وأتراحهم، ونوه إلى أنه كمغنٍّ يتعامل مع شارات الأعمال الدرامية بذات المصداقية والإخلاص التي يتعامل معهما في الأغنية الخاصة لأن الغناء واحد، والقيم التي يتعامل على أساسها في أعماله واحدة لا تتجزأ ليقدم قيمة إضافية لها هي جزء من شخصيته، وذلك كله بهدف وصولها للناس بصدق. ويذكر النجار أنه وفي هذا المجال تعامل مع أسماء كبيرة كحسين حمزة ورضوان نصري ورعد خلف الذي استفاد من تجربته الشيء الكثير .

ميوزيكَل
يغري النجار العمل الغنائي الاستعراضي، وله تجربة قيّمة في هذا المجال من خلال ميوزيكَل “آخر حكاية” للفنان رعد خلف، وتحزنه قلة هذه الأعمال في سورية الرائدة فيها من خلال أبو خليل القباني الذي أسس لهذا النوع من المسرح والذي قدم عشرات المسرحيات الغنائية، وأوضح أن غياب هذه الأعمال في الوقت الحالي سببه التكاليف الباهظة لإنتاجه، خاصة وأنها اليوم يجب أن يتوفر فيها كل عناصر الإبهار على صعيد الموسيقا والرقص والغناء والديكور والكلمات والألحان.

المرحلة الأهم
ويتوقف النجار في مسيرته الفنية عند كل المراحل التي مر بها لأنه اليوم نتاج هذه المراحل جميعها، فهو لا ينسى طفولته وحبه للموسيقا في فترة مبكرة جداً، كما لا ينسى دراسته لآلة العود في المعهد العربي للموسيقا في حلب لمدة 6 سنوات على يد أساتذة كبار ومن ثم انتقاله لدمشق للدراسة في المعهد العالي للموسيقا الذي وسع أفقه الموسيقي وطور أدواته وإمكانياته بشكل أكاديمي وصحيح، وجعله ينخرط في محيط موسيقي يضم فنانين متميزين، لتكون المرحلة الحالية الأهم على الصعيد المهني بعد أن احتضنته دار الأوبرا كمغنٍّ وموسيقي ليكون هاجسه اليوم تقديم صوته من خلال هذا المكان الذي ينسجم معه والذي يرغب في تقديم نفسه من خلاله.

أستاذ الغناء الشرقيّ
بعد تخرجه من المعهد العالي للموسيقا عام 2009 انضم النجار إلى أساتذة معهد صلحي الوادي كأستاذ غناء شرقي، ومازال مستمراً فيه حتى الآن، وهذا برأيه جعله يخوض تجربة تقديم المعلومة لكل طفل موهوب والعمل على اكتشاف هذه الموهبة لديه وصقلها، وهو لا يخفي اندهاشه من وجود أطفال لديهم القدرة على غناء أغنيات صعبة للغاية، وكم كان يسعده وجود أعداد هائلة من الأطفال يحاولون الالتحاق بالمعهد لتعلم الموسيقا والغناء بتشجيع من أهاليهم المدركين لأهمية تعلم الموسيقا بالنسبة لأطفالهم، وأكد أن بناء جيل ناضج وواعٍ يحتاج لبناء طفلنا عبر الفنون جميعها ومنها الموسيقا التي يجب ألا يقتصر تعليمها في المعاهد من خلال نشر الوعي وأهمية الموسيقا في مدارسنا بحيث تصبح حصة الموسيقا شأنها شأن حصص الرياضيات والعلوم لأن الموسيقا تهذب روح الطفل وهي في الدول المتطورة أرقى أشكال التفكير لأنها تحسّن أداء الطفل وتزيد من ذكائه وصفاء تفكيره وتنمي العمليات الذهنية وهي من العلوم الرياضية في شقها النظري، وبالتالي فنحن نحتاجها في حياتنا كحاضن لكل العلوم الأخرى.. من هنا يتمنى النجار أن يتعلم كل أطفال سورية الموسيقا.

أصوات مهمة
وعن الساحة الغنائية السورية يؤكد النجار أنها تضم أصواتاً مهمة وجادة وأن المعهد العالي للموسيقا خرّج عدداً كبيراً منهم يقيمون حفلاتهم ويحضرها جمهور كبير وهو يتشرف بوجودهم في حياتنا الفنية، وبالمقابل هناك من يقدم نفسه بالطريقة التي يراها هو مناسبة من خلال مشاريع وخيارات فنية متعددة، وهذا حق لكل واحد في ظل وجود جمهور متعدد الأذواق والمستويات.. أما سبب انتشار الغناء الشعبي فيعود برأيه إلى ترويج وسائل الإعلام والجهات المنتجة له، إلى جانب وجود جمهور يحب هذا النوع من الغناء ويشجعه، وهذا أمر طبيعي وموجود في كل أنحاء العالم .
وبرأيه لا توجد أغنية سورية واحدة بل ألوان من الغناء السوري بحكم الفسيفساء السوري الغني في الجغرافيا، فالفلكلور الموجود في حلب يختلف عما هو موجود في الساحل والجزيرة والجنوب السوري، وهذا أعطى –كما يعتقد النجار- غنى وتنوعاً في الباقة الغنائية السورية التي تفوح بعطر سوري جميل.

الطرب الأصيل
ولا يختلف اثنان على قدرة الفنانين الحلبيين في عدم الانزلاق باتجاهات غائية سطحية وعدم تأثر معظمهم بالظواهر الغنائية التي تشهدها الساحة، والسبب برأي النجار أن الفنان الحلبي يتأسس على الطرب الأصيل، ومعظم المطربين فيها دارسون للقدود والقصائد والموشحات والأدوار وتربوا على هذه القوالب الغنائية الصعبة، ولأنهم مدركون أن أصواتهم أهم من أن يغنّوا أغانٍ عادية ويجودون في الطرب يرفضون الذهاب باتجاه الغناء البسيط، وبالتالي فشعوره بالتفرد وحبه للطرب في ظل وجود جمهور حلبي ذواق يميز بين الأصوات جعله بمنأى عن أي انزلاق.

الثريا
ويختم سومر النجار الذي تعرف عليه الجمهور جيداً في سورية من خلال مشاركته في مسلسل “الثريا” فبيّنً أن “الثريا” من التجارب العزيزة على قلبه، إذ من خلاله وصل صوته إلى الجمهور وقد كان محظوظاً أن الدور كُتِبَ خصيصاً له بعد مشاركته في أحد برامج الهواة فقدمه بشكل لائق كممثل ومغنٍّ عبر عمل مكتوب بعناية وبشخصية كانت جزءاً من الأحداث ضمن حبكة درامية جيدة، وأوضح أن له عدة مشاركات في الدراما السورية عبر أدوار المغنّي باعتبار أن مشروعه ليس أن يكون ممثلاً وإنما مشروعه يصب في الموسيقا والغناء، ويغريه كثيراً العمل في الدراما السورية عندما يقدَّم له دور يقدمه كمغنٍّ وموسيقي كما في “الثريا” لأنه ليس مع التواجد المجاني في الدراما.
أمينة عباس