ثقافة

الحرب تدور.. والحياة أيضا

تمّام علي بركات
والله كل شيء جميل ومفرح ويثلج الصدور، صيف ومعارض ومهرجانات وأمسيات موسيقية وتكريمات، حفلات يتقاتل الشباب للحصول على بطاقاتها – كما يحدث في كل مرة عند أي حفلة ل أياد الريماوي أو فايا يونان، رغم أني لا أعرف ما الذي يعجب الناس بصوتها- وحفلات لا أحد يعلم بها إلا كل طويل عمر، أفلام سينما، كاميرات لا تهدأ و”مايكات” لا تكل ولا تمل عن بث الفرح والحياة في الناس، وهذا يجعل المعنويات عالية، ومقاومة الشدائد أكثر احتمالا، يعني تحضر حفلة موسيقية من هنا مثلا، وتستطيع أن تستغني عن حليب لأطفالك لمدة شهر، وبإمكانك الآن أن تذهب إلى معرض دمشق الدولي الذي نحتفل بعودته الميمونة، لتتمشى بين أروقته البديعة وتستمع بالموسيقا وفيروز و”ومر بي” والصوت الحميمي للإعلامية القديرة “هيام الحموي” وهذا يخرجك والسوريون في الداخل، من حال الحرب التي أتعبت الناس وأرهقت كواهلهم، وتعيدهم بلحظات نادرة وغالية إلى زمن اشتاقوه وحنوا إليه، ولو أن الكثير منهم يرى المسافة بعيدة عليه، وأن تغيير مكان المعرض، غيّر الحالة المعنوية والنفسية لمرتاديه من الناس، فلطالما كانت علاقة الدمشقيين تحديدا والسوريين عموما بمعرض دمشق الدولي، علاقة عاطفية بحتة، لكن المشكلة تم حلها بحافلات تسير من نقاط معينة ومواقيت منتظمة وتعود أيضا إلى ذات النقاط، أيضا لدينا مباريات كروية حماسية لها ما لها من دلالات وطنية، حتى أن تعافيها دفع أحد أبناء وطننا “الضالين” للعودة إلى حضن الوطن، بعد أن اشتاقه واشتاق لترابه، والوطن لا يرد ابنا ضالا مهما فعل بحقه.
أيضا لدينا حفلات لجورج وسوف وبهاء اليوسف، أعراس هنا ودبكات هناك، أماسي شعرية وندوات يومية عن كل شيء، ولا أدري لماذا لم نفكر بأن نكتشف ملكة جمال الزيتون أو العنب!- هذه النشاطات المتنوعة والغنية، تُشكل ألوان الحياة في البلاد، وتغير رمادي الحروب إلى قوس قزح الوئام، يعني يمكن اعتبارها حالة فقدان ذاكرة جماعي مؤقت، يريح الأعصاب وينزل الضغط، الذي يرتفع كل يوم لألف سبب وسبب، ربما الحرب في أسفل القائمة، ومن كان يريد لأرواحنا أن تموت، عندما لم يستطع أن يفعل ذلك بيده الحاقدة، ها هي يد حقده مغلولة إلى عنقه، إننا أحياء وبأرواح ومعنويات عالية ولن نتخلى عن هذا الوطن ولو متنا من الجوع، كان شعارا رفعناه منذ بداية الحرب، ” نحارب بأشغال الحياة” كما يحارب الجندي بالبندقية – وصدقنا هذا على اعتبار أن من تدار عنده الحرب، ليس كمن تدار عنده الشمول-بإصرار لا يلين وقفنا بوجه دعاة الموت والسواد والخوف، كتبنا المقالات وصنعنا مسرحا وسينما وأنتجنا شعراء المرحلة، وتعرفنا على أصوات سورية كانت ضالة وبائسة فاهتدت وانشرح صدرها، تنافسنا في الدراما – بغض النظر عن الطريقة هذا شأن آخر-وحاربنا بالموسيقى كما لو أننا على الجبهات، كان الوتر يرش مشط نغمات تهز الأرض تحت أقدام أهل الظلام، والفيلم بصوره الشاعرية البديعة وهو يكشف بشاعتهم وحقدهم، يخنق نفوسهم العفنة، ومن كان يستهدف في السوريين أرواحهم، لم يكن يعرف إنما هو يقويهم ويعطيهم المزيد من الإيمان، بأن الحياة لمن يحبها ويدافع عنها وعن زهوها وإشراقها، لا عن القتامة والبشاعة التي لا يحمل رايتهما إلا كل ميت روح، أو “زومبي”.
الحياة لمن يؤمن بها، فهذا اسمها، وهذا ما يفعله رجالنا الميامين بدمائهم ونفعله بأشغال الحياة اليومية، والحياة تدور والحرب تدور، ونحن لهما.