ثقافة

مرايا من نور ونار..!

كيف وقعت بيدها تلك المرآة ذات الوجه المكبر لا تدري..! هي التي أهملت منذ غياب عينيه هذه السطوح المصقولة بعناية فائقة لتجيد الكذب، فتنعم بحياة اقل خراباً.. عيناه فقط كانت اصدق إنباء من كل ما يُرى أو يقال..
نظرت لترى وجهاً بلا ملامح تذكر.. بلا خيال.. بلا أي حالات.. أغمضت عينيها علها تتذكر أين صادفت هذا الوجه أو أين نسيت ذاك..!
أخذت تتلمس تضاريسه لتتعرف على محياه.. فهنا آثار لرؤوس أصابعه ربما على تلك الوجنتين.. وظلال قلبه مازالت باقية تنشر الدفء والأمان..
تنظر بلا رحمة لكل ما أعطاها الدهر من حرقة قلب.. تعاتب نفسها وتلومها كيف اتكلت كل ذلك الوقت على تلك العيون العسلية بأن تصبح لمعتهم مقياسا لتحديد الجمال..!
نعم كانت تضحك عيناه لتخبرها بأنها أجمل النساء، وبأنها نضرة وغضة كقطفة حبق يصحو على ندى روحها الصباح..
عشر سنوات وربما أكثر كم جميل لو أنها  تلغى من تاريخ حياتها..
أحقاً لم يكن يرى تلك الخطوط المتعوب على شقائها، والتي حفر الحنين لها أخاديد عميقة لن تزول حتى الممات.. لماذا لم يخبرها بتلك الغيوم السوداء.. أيعقل أنها لم تلفت نظره أبداً وهي دائمة الهطول.. ففصل الكآبة لم يتعاقب أبداً على هاتين العينين..
أيعقل أن مجموعة القصص الطويلة التي عنونتها ابتساماتها الصفراء لم تزعزع الصورة التي رسمها لها آنذاك..!. أيعقل أن يكون شوقها له هو فقط ما كان يراه؟!
أظن أن ثقباً صغيراً في جدار القلب كان يتواطأ مع حنينها له فيسربه ليرسم تلك الملامح العذبة فيضيع معها دهراً من العذاب.
قال لها مرة.. ما رأيك أن نتبادل الأدوار (شو رأيك صير مرايتك وتصيري أنت الورد اللي بيغار).
كل ما أريده هو أن اصدق كلامك يا حبيبي.. أريد أن أصدقك أكثر.. الوجوه لا تصمد.. الملامح تتلون على مزاج وإيقاع لحن الأحداث.
فقط للحب ذاكرتان.. ذاكرة الموت وذاكرة الحياة، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً..
تنظر لوجهها بتلك المرآة اللئيمة وتسمع صوت تضاريسه تصيح: آه ما أشقانا نحن الميتون الأحياء.. والأحياء الميتون بعض الأحيان.. ضائعون بين أن نكون نقطة بداية أو أن نكون نقطة نهاية.. وبين أن نكون هامشاً للبداية أو سطراً على ورق الحياة..
من هنا.. من مرآتها يمر شريط العمر بتكاسل الأموات.. كمن يحاول جاهداً أن يخلّص قدماه من ارض طينية القوام..
كيف وقعت بين يديها تلك المرآة..؟! ربما من غضب ومكر الرب.. يا الله كم كانت راضية بقسمة عينيه وما تخطه يداه..!! فما حاجتها لكل هذه الاختراعات..!
عندما كان يطرق عصفوره الحبيب نافذتها الزرقاء كل صباح ليغرد لها وصيته التي كانت كامل الغرام.. (ضلي اضحكي بيلبق لوجهك الفرح.. وجهك بيلبس الفرح متل الصبح.. بحياة لون عيون بحرك بس اضحكي..).
لينا أحمد نبيعة