ثقافة

“ليل الغريب”.. رسالة لجميع السوريين

لم يكن فيلم “ليل الغريب” الذي انتهى تصويره مؤخراً من إخراج مشترك بين الإعلامية مي زوربا والفنان مالك محمد إلا تتويجاً لدراسة أكاديمية في دبلوم علوم السينما وفنونها حيث الدراسة فيه تسمح لكل طالبين الاشتراك بإنجاز فيلم يكون خلاصة ما تم اكتسابه من خبرة في هذا المجال، وتنوه زوربا إلى أن الدراسة في دبلوم علوم السينما وفنونها تجربة مهمة استفاد منها كل طالب بقدر جديته في الحضور، والعمل ومتابعة كل ما يعطيه الأساتذة في الدبلوم الذين قاموا بشرح مختلف جوانب العمل السينمائي وبأدق التفاصيل، مع تركيز بعضهم على الجانب العملي الذي يمكن اعتباره تدريباً مهماً لطلبته على تقديم أفلام ضمن مشروع دعم السينما.

بين الإعلام والإخراج

وتبين مي زوربا وهي إعلامية تعمل في الإعلام المرئي أنها لم تبتعد عن الإعلام مؤخراً، إلا لأنها كانت تدرس في دبلوم علوم السينما وفنونها، وكان من الضروري في هذه الفترة أن تتفرغ للدراسة وتحقيق حلمها بأن تكون مخرجة، موضحة أنها اختارت مهنة الإعلام بإرادتها إلا أن الإخراج كان دائماً هدفها، وهذا ما كانت تردده منذ أن دخلت مجال الإعلام، وعندما أُحدِث الدبلوم انتسبت له لتحقيق طموحها عبر دراسة أكاديمية وقد أتاحت لها المؤسسة العامة للسينما هذه الفرصة، مشيرة إلى أن السينما عالم آخر، واللغة السينمائية لغة مختلفة عن لغة الإعلام وقد ساعدتها مهنياً على صعيد الاهتمام والتدقيق أكثر بالتفاصيل، موضحة أنها قبل “ليل الغريب” قدمت أولى تجاربها العملية في الدبلوم وكانت بعنوان “روح” عن فرضية قام بطلبها المخرج المهند حيدر بعنوان “مقعد في الحديقة” فكان فيلم “روح” لأن ذاكرة وروح أحدهم مرتبطة بهذا المكان-المقعد، والاسم له علاقة بالوجدان وقد أنجزته زوربا ضمن إمكانيات الدبلوم، مؤكدة أنه كان مرحلة وتجربة مهمة تكشفت من خلالها ملامح المرحلة التي وصلت إليها.

دعوة لحب الوطن

وعن عملها “ليل الغريب” بيَّنت زوربا أن الفكرة انطلقت من موضوع يلامس الناس، خصوصاً في هذه الفترة الحرجة من تاريخ البلد وبشكل بعيد عن المباشرة والأسلوب الذي أصبح تقليدياً في معالجة جوانب الأزمة.. من هنا انطلقت بموضوع ربما لم يعالجه الكثيرون من السينمائيين من خلال الظروف التي تحيط بالمهاجرين خلال رحلتهم إلى الخارج وما يقاسونه، مع تسليط الضوء في الوقت ذاته على موضوع عمالة الأطفال التي لم نشهد لها معالجة حتى الآن، وتقول زوربا أن هذا الفيلم رسالة لجميع السوريين ودعوة لحب الوطن من خلال قصة طفل حيث يطرح الفيلم عدة قضايا بآن واحد: عمالة الأطفال واللجوء وشرح كيف أن عذاب الشخص في بلده يظل أيسر بكثير من عذاب الغربة، ناشدةً من خلاله الدعوة إلى العودة إلى البلد من خلال الطفل سوار الذي يجد نفسه في ظل ما يجري في سورية من أحداث في ورشة حدادة بعدما انفصل عن أهله أثناء هروبهم من جحيم الحرب وحيداً محاطاً بقسوة الغربة واستغلال المحيطين له، محاولاً أن يجد مخرجاً من أزمته بأسلوبه الطفولي وبراءة العشرة أعوام للعودة إلى أهله الذين ضاع عنهم، مؤكدة زوربا أنها حاولت ضمن الإمكانيات البسيطة إيصال رسائل مهمة وعميقة، موضحة أنها كتبت السيناريو ضمن مشاريع الدبلوم تحت إشراف المخرج المهند حيدر، فمن قراءاتها الكثيرة للأدب الروسي استوحت من قصة منه فكرة الفيلم وكتبت سيناريو عُدِّل أكثر من مرة، منوهة إلى وجود صعوبة كبيرة في تحويل عمل أدبي إلى سيناريو سينمائي، وحين عرضت السيناريو على شريكها مالك محمد وفق نظام الدبلوم وافق ونفذ النص بعيداً عن الأسلوب المباشر، مؤكدة زوربا أن مشروع دعم سينما الشباب في موسمه الخامس تمكَّن من تكريس وعي سينمائي هام لدى الشباب وتمكَّن من تقديم الكثير من الأفلام المهمة، وبعد ما يقارب من مئة فيلم تم إنتاجها ضمن هذا المشروع يمكن الخروج بالكثير من الأفكار الهامة عند تقييم هذه التجربة، وبالطبع هناك الكثير من الإيجابيات، ولكن عليها كصانعة فيلم أن تتجاوز السلبيات التي لا يخلو منها أي مشروع، ومن أهمها التشابه الكبير في المواضيع، لذلك حاولت أن تستفيد من كل ما قُدم ليخرج في النهاية بأسلوبها الخاص في هذا الفيلم.

خطوة ممتازة

بعد ثلاث تجارب إخراجية أثناء الدراسة في الدبلوم أوضح الفنان مالك محمد أن “ليل الغريب” هو أول مشروع يقدمه بشكل عملي ليكتشف كلُّ طالب في الدبلوم  ماذا يمكن أن يبني على معلوماته أو القصة التي يرغب في التعبير عنها، مشيراً إلى أن أهمية الفيلم تنبع من أنه يأتي ضمن مشروع سينما أفلام الشباب، وهو مشروع رائد –برأيه- لأنه يفتح الباب أمام عدد كبير من الشباب والمهتمين بالتجريب السينمائي من خلال إتاحة الفرصة أمامهم لتنفيذ أول فيلم، خاصة وأن كل ما يُدرَس نظرياً يبقى غير مكتمل إذا لم يتبعه عمل على الأرض.. من هنا فإن المشروع يسدّ هذا الجانب بشكل جيد، وهذا ما يجعل مشروع أفلام الشباب خطوة ممتازة بكل المقاييس، رعتها مؤسسة السينما انطلاقاً من إيمانها بضرورة تبنيها المشاريع السينمائية الأولى للشباب.

الخطوط الحمراء

وعن فيلم “ليل الغريب” يشير محمد إلى أنه اتفق وزميلته في الدبلوم مي زوربا على إنجاز فيلمهما معاً بعد أن كتبت السيناريو الذي يتناول قصة طفل ضاع عن أهله في بلد غريب، منوهاً محمد إلى أن زوربا حاولت أن تُسقِط واقعنا السوري  من خلال ما يعانيه هذا الطفل الذي غادر بلده، معترفاً أن إنجاز الفيلم لم يكن أمراً سهلاً، خاصة أنهما يلعبان في منطقة الخطوط الحمراء من حيث أن بطل الفيلم هو طفل، وهذا يكسب الفيلم تعاطفاً كبيراً من قبل الجميع، وهذه القناعة كانت موجودة قبل إنجاز الفيلم، أما أثناء التنفيذ فالأمر غاية في الصعوبة، مؤكداً أن الطفل الذي لعب دور البطولة في الفيلم كان إحساسه عالياً ويمتلك وجهاً معبِّراً وكان من الممكن أن يشكل عبئاً عليهما لو لم يكن موهوباً، حيث تقبّل كل الظروف التي وضِعَ بها بمهارة وبساطة ولم يكن بحاجة إلا لتوجيه بسيط ولم يكن متعِباً، ويتوقع له محمد مستقبلاً باهراً في عالم التمثيل. والفيلم من بطولة الفنان عبد الله السيار والطفل ربيع جان.

أمينة عباس