ثقافة

في معرض “تحية لروح ثلاثة فنانين تشكيليين كبار”.. غياث الأخرس: ضرورة العمل على الذاكرة الجمعية الثقافية والتشكيلية

لم يكن رحيلهم عن عالمنا في فترة زمنية متقاربة هو الوحيد الذي جمع بين ثلاثة من الفنانين التشكيليين السوريين الكبار، بل جمعهم أيضاً الهم الفني والحس الوطني الصادق وعاطفتهم الإنسانية، ومع التجربة الفريدة الخاصة بكل منهم شكل إرثهم الإبداعي تجربة رائدة ومؤثرة في المشهد التشكيلي السوري، وقد احتضن المركز الوطني للفنون البصرية معرض تحية لروح الفنانين (مروان قصاب باشي، نذير نبعة، نذير إسماعيل) تخليداً لذكراهم ولتجربتهم كجزء أصيل من الذاكرة الجمعية التشكيلية، وقد أشار رئيس مجلس إدارة المركز غياث الأخرس إلى أن المركز أخذ على عاتقه العمل على الذاكرة الجمعية الثقافية والتشكيلية من خلال طباعة كتب عنهم بغية تجديد حضورهم إلى جانب ندوات حوارية، كما أن كل معرض يقام في صالاته سيكون تحت عنوان تحية لفنان غاب عنا.

لفتة حضارية

وأضاف الأخرس: غادرتنا تلك القامات الثقافية الكبيرة بصمت، وبهذه السرعة الحزينة وكأنهم سئموا من واقع الثقافة المتردي، موضحاً أننا البلد الوحيد الذي لا يهتم بمن رحلوا، ويقال بأن شعباً لا يملك ذاكرة جمعية هو شعب لا يملك مستقبلاً، ثم تحدث عن الجهود المبذولة من أجل إنجاز هذا المعرض ليكون خليطاً من أعمال الشباب والكبار، منوهاً إلى أن أول من قدم أعمالهم هم الشباب وهذه لفتة جميلة وغير مسبوقة، وأبدى سعادته بأن المعرض لاقى إقبالاً وصدى جميلاً فالحركة الفنية بحاجة لتفعيل ومشاركة وحماسة وليست بحاجة للاختلاف، ومع أن الحرب أعطت الحجة لكل فنان بأن يمشي باتجاه مختلف، إلا أنه علينا الانتباه لبلد نحافظ عليه ولشباب علينا رعايتهم.

من جهته اعتبر د. محمود شاهين عميد كلية الفنون الجميلة في دمشق بأن التحية بحد ذاتها لفتة حضارية ولاسيما عندما توجه من مبدع لمبدع وعندما تكون المبادرة مكتملة كما نراها في المعرض، مبيناً أن المركز شق الطريق نحو مثل هكذا مبادرات ومتمنياً أن يتم تكريس هذه الثقافة المهمة في حياتنا السورية كظاهرة وتوثيق للحركة التشكيلية.

تكريس التجربة

كذلك نوه الناقد التشكيلي سعد قاسم بأنه خلال العام الماضي رحل عن دنيانا ثلاثة من التشكيليين السوريين الكبار الذي كان لكل منهم حضوره الخاص، وبرحيلهم اكتملت التجربة الفنية لكل واحد وتأثير تجاربهم، وحضورهم سيظل مستمراً، مبيناً أن الهدف الأساسي لهذا المعرض هو أبعد من تحية، غايته الحفاظ على إرثهم الإبداعي في ذاكرة الأجيال القادمة كجزء من المصادر الأصلية لتجاربهم المستقبلية.

وأشار د. طلال معلا إلى أن تكريس الفنانين الراحلين في ذاكرة الفنانين الشباب هي إحدى المهام الرئيسية للقائمين على الفنون التشكيلية في سورية ولذلك فإن التذكير بثلاثة فنانين كبار متميزين تمثل ضرورة فهناك من أعطى حتى رحيله وهو في الوطن، وهناك من أعطى خارج الوطن وهي أسماء كبيرة أعتز بوجود من يكرمها ويجب أن تقرأ تجربتهم بتحليل وعمق إلى جانب عرض هذه الأعمال التي توجه تحية لهم، معتبراً مبادرة المركز جميلة ومحقة ومتمنياً أن تتكرر في مؤسسات مختلفة لأن المبدع السوري يستحق التكريم وهي إشارة إنسانية من عمق الاختيار لتجارب فنانين نعتز بهم.

تجارب رائدة

وعبّرت الفنانة ليلى نصير عن حزنها لفراق هؤلاء الفنانين بالقول: “الحقيقة عندما دخلت كنت باكية وشعرت بالشوق لهم” فهم رواد عملوا بصمت وأصالة وبمستوى عال نفتخر فيه، وهم فنانون عظيمون رحلوا عن دنيانا لكن أعمالهم وذكراهم وكل ما قدموه للبلد باق ويجب ألا ننساه والوطن بأمس الحاجة إليهم ولأعمالهم، كذلك رأى الفنان محمد غنوم بأن التحية التي يقدمها المركز هي عمل حضاري عن تجارب رائدة وفاعلة على مدى سنوات، والفنانين المكرمين هم منارات الحركة التشكيلية السورية وكلُ له أهميته الخاصة، فأهمية مروان قصاب باشي المغترب تكمن بأن تجربته لم ينقطع فيها الحنين إلى دمشق والتأثر بعبقها، وكذلك تجربة نذير نبعة فذة وهامة وهو أكاديمي أعطى الكثير للحركة التشكيلية وقدم تجربة فريدة في عمله للمقاومة الفلسطينية، أما نذير إسماعيل فهو صديقي الشخصي وابتدأنا التجربة معاً وأهميته تكمن في هذه العصامية التي بقي دؤوباً عليها وكان غزير الإنتاج، كذلك اعتبر الفنان وليد آغا أن المعرض ضروري لنعمل على إحياء مفهوم الذاكرة الجمعية التي نفتقدها، وهذه القامات التي يتم تكريمها لها أثر على المشهد التشكيلي ولها حضورها الوطني والعالمي، لافتاً أن المركز يعمل بسوية عالية وانتقائية مميزة ويجمع بين أجيال مختلفة، أما الفنانة المشاركة لينا ديب فقد رأت أن التحية كانت من خلال مشاركتنا واجتماعنا في هذا المعرض للتذكير بهؤلاء الفنانين الكبار، فكل منهم قدم تجربته وأسلوبه وتقديراً لأهميتهم وإحياء لذكراهم، ولفتت إلى أنها قدمت عملين الأول يعتمد على تقنيات متعددة جمعت بين الغرافيك والتصوير وتناولت فيه الطبيعة والمرأة بطقوسها كافة، والعمل الثاني يتحدث عن حضارة أوغاريت.

لوردا فوزي