ثقافة

عن الزمان

محمد راتب الحلاق

الزمن سيال متدفق، أزلي وسرمدي، لا فواصل فيه ولا ثغرات، ولا بدايات ولا نهايات، وجد مع وجود الكون، يعد حركاته، ويستمر باستمراره، فهو ظاهرة طبيعية مستقلة عن إرادة الإنسان وعن رغباته، هذا هو الزمن الطبيعي الفيزيائي.
ولكن الإنسان، نتيجة الاستقراء، ولاسيما ما يتعلق بتكرار بعض الظواهر “المناخية وسواها”، اخترع الأيام والشهور والفصول والسنين والحقب والعقود والقرون، وجعل بعض الأيام بداية، وجعل بعضها الآخر نهاية. وهكذا بدأ التأريخ (بهمز الألف)، ثم التاريخ (دون همز)، حين أدخل الإنسان معارفه وخبراته والأحداث التي مرت به في دائرة الزمان الذي تحول إلى ما يشبه الإطار لتخليد الذكريات والأحداث الحاسمة، على الصعيد الفردي والقومي والإنساني، لذلك اختلفت الأعياد والمواسم والبدايات والنهايات والتقاويم باختلاف الأفراد والشعوب والعقائد والمناطق والمناخات، فبعض الشعوب سنته قمرية، ولاسيما في المناطق التي تتمتع بسماء صافية في أغلب الأيام، وعدتها ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما. وبعض الشعوب سنته شمسية، عدتها ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع اليوم وبضع دقائق.. وكلا السنتين موزعة على اثني عشر شهرا. والمعروف أن هناك تقاويم شمسية متعددة، وتقاويم قمرية متعددة أيضاً، تختلف فيما بينها باختلاف البدايات، واختلاف التعامل مع المدة الحقيقية لإنجاز الأرض أو القمر دورة كاملة حول الشمس.‏
وبالنسبة للتقويم الشمسي فإننا نتعامل في بلادنا مع تقويم شرقي وتقويم غربي /غريغوري/.. وقد ظل التقويم الشرقي هو السائد لقرون طويلة، لذلك نرى دورة الحياة الاقتصادية، ولاسيما الزراعية، واضحة فيه، إلى جانب تأطيره للمواسم الاجتماعية والدينية المرتبطة بالشرق وشعوبه.. والتقويم القمري، هو الآخر يختلف من منطقة إلى أخرى، ومن شعب إلى آخر.‏
والتقويم العربي تقويم قمري، اتخذ من عام هجرة الرسول العربي صلى الله عليه وسلم بداية له، كما اعتمد شهر المحرم بداية للعام الهجري.‏
وحتى تتطابق أشهر وأيام  السنة القمرية مع المواسم والمناخات المرتبطة بدوران الأرض حول الشمس عمدت بعض الشعوب، ومنها عرب الجاهلية، إلى النسيء،  بإضافة شهر إلى السنة القمرية كل أربع سنوات، إلى أن حرم الإسلام ذلك، وعده زيادة في الكفر.‏
ومن الملاحظ أن الحضارات القوية تفرض زمنها وتقويمها وأعيادها ومواسمها على الآخرين، وزاد من هذا الغزو (الزمني) طغيان وسائل الإعلام، ولاسيما وسائل الإعلام المرئية.. فبتنا نحتفل بمناسبات لا علاقة لنا بها، هل أذكركم بعيد السيد (فالانتاين).
وفي هذه الأيام التي ودع فيها العالم عاماً غير مأسوف عليه، نظرا لما حمله من كوارث، أكثرها من صنع الإنسان، الذي طغى واستكبر، معتدا بما بين يديه من وسائل التدمير. في هذه الأيام بالذات، أيام (النهايات والبدايات)، تعودت أن أجري جردة حساب مع نفسي فأعاتبها، وألومها على ما فرطت بحق الآخرين، وأعتذر عن أي خطأ صدر مني، وكل ابن آدم خطاء.. وأسامح من أساء إلي، بقصد أو غير قصد، فهم بشر، يجري عليهم ما يجري على البشر من غضب وسوء تقدير وخضوع لهوى النفس، وكم  كنت أتمنى أن أكون، وأن يكون الآخرون، حيث يليق بي وبهم.
كل عام والجميع بخير، وسنة قادمة أتمنى أن تحمل الأمن والسلام للعالم، ولاسيما لوطني سورية.