ثقافة

عودوا..النحيب لا يجدي

لم يطل غياب الممثل والمخرج والعازف والكاتب سيف الدين سبيعي عن الشاشة الفضية التي كان قرر منذ مدة قريبة اعتزاله مهنة الإخراج للدراما التلفزيونية التي تصدرها كبضاعة للسوق الدرامي، تارة لأسباب نفسية حرجة يمرّ بها -كما صرحت إحدى الصحف-، وتارة لأسباب عملية بحتة بعد أن تم الاستغناء عن خدماته في إخراج أحد الأعمال الدرامية اللبنانية بسبب بطلة العمل، وها هو يصرح خلال لقاء أجراه على شاشة الميادين في برنامج بيت القصيد، بعد أن بدا من خلال حديثه أنه عاد عن قرار اعتزاله، يوضح السبب الحقيقي لما اعتراه حيال عمله، على عكس الصحافة التي حاولت إضفاء صبغة إنسانية على قراره الاعتزال، وبيّن أن العالم تغير والناس والظروف تغيرت، ظروف العمل وطبيعته وطبيعة المنتجين الساعين للربح المادي بأي شكل،كما ذكر أيضا في البرنامج الآنف الذكر، بأنه سيعود للعمل ولكن من باب آخر تماما، يسعى فيه للتخلص كليا من شروط المنتجين التي لم توافق مزاجه الإبداعي، رغم أنه كل عام تقريبا يخرج عملا دراميا تلفزيونيا، كان آخرها “قناديل العشاق” الذي فشل فشلا ذريعا لسبب بسيط، وهو أن النجمة اللبنانية سيرين عبد النور، التي جيء بها لرفع سوية العمل، تم التعامل معها وكأنها على مسرح تغني لجمهور،فقامت بتأدية أغانيها في العمل بما يعرف بـ “الليبسنغ” عوض الغناء بصوتها الحقيقي، أي أن توظيف الغناء في العمل لنجمة تلفزيونية وغنائية أيضا لم يكن موفقا، الأمر الذي كان سيضيف على العمل شيئا من الحلاوة إذا صح الوصف لو نجح، عدا عن الحبكة الدرامية الضعيفة للعمل والمزاج العام الذي طرحه وكأنه خارج الزمان والمكان، لذلك قرر “أبو دهب” -بعد خروجه من حالة الحزن التي اختلط علينا بكونها سبب قراره اعتزاله-الاتجاه نحو مشروع فني جديد يقارب منصة (نيتفليكس)، بعد أن أوضح بأنه بدأ بالفعل بتأسيس شبكة (تين تايم) الرقمية، كأول منصة معنية بصناعة الدراما وبثها عبر شبكة الانترنت لجمهور خاص يشترك فيها، برسم شهري لا يزيد عن 10 دولارات أميركية، على أن يكون مقر هذه الشركة في دبي، وبمساهمة من رجال أعمال عرب مقيمين في أميركا وبريطانيا.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا وصلت الأمور بالفنان سيف الدين سبيعي إلى المرحلة التي لم يعد ينظر فيها لعمله كمخرج على أنه عمل جيد ويحقق مبيعات عالية، مثله مثل نظرائه من المخرجين السوريين الذين ذهبوا للاشتغال بالأعمال التي تنتمي للنوع “العصفوري”. أيضا سؤال آخر يطرح نفسه عن التمويل ذاته لمشروعه الدرامي الرقمي، والذي يقوم على دعم رجال أعمال عرب يقيمون في الخارج لهذا المشروع؟،لما؟ أفلا يوجد رجال أعمال سوريين قادرين على تقديم هذا الدعم، خصوصا وأنه ليس مكلفا حسب “سبيعي” عدا عن كونه سيكون صاحب الكلمة الفصل في هذا المشروع وبذلك لن يتحكم بعمله منتج ما؟ وهل فعلا لن يكون لرأس المال دوره في طبيعة العمل أو التدخل فيه؟ هل هو مشروع خيري مثلا؟، وهل كان ابن فنان الشعب بحاجة فعلا لهذه “الهمروجة” التي حصلت للعودة إلى العمل بعد فترة وجيزة من البلبلة التي حصلت معه؟ فتارة اعتزال سببه الحزن، وتارة أخرى غطرسة المنتجين وتدخلهم في العمل الإبداعي كرمى خاطر هذه النجمة أو تلك، ليعود عن اعتزاله بمشروع لا يزال في طور التجريب، أقله بالنسبة للدراما التلفزيونية المحلية، التي اعتاد الناس على متابعتها على الشاشة الفضية حتى اللحظة، لا على الشابكة، حيث ذروة العروض الدرامية صارت كما هو معروف، يتم التجهيز لها لعرضها في شهر رمضان، سوق عكاظ الدراما التلفزيونية عموما!. طبعا المخرج سيف الدين سبيعي ليس إلا حالة واحدة من حالات كثيرة مشابهة وقعت للفنانين السوريين العاملين بالدراما التلفزيونية في الخارج، سواء في مصر أو لبنان وغيرها من الدول، تبين من خلالها الحال الصعبة التي يحيياها الفنانون السوريون بعد تركهم البلاد لأسباب لسنا في وارد ذكرها الآن، بعد أن كانوا يعاملون كالأمراء في بلادهم، ليس ابتداء من تخفيض الأجور وليس انتهاء أيضا بإقصائهم بعد سرقة “سر المصلحة” منهم ثم جعلها تصب في صالح دراما تلفزيونية لم تكن تحلم ولو في أقصى أحلامها أن تنافس الدراما المحلية، كالدراما اللبنانية، التي سطع نجمها على أكتاف السوريين، وها هي لا تكل ولا تمل في “تطفيشهم” إلا من رحم ربي، ففي كل حين حديث عن فنان سوري، جرى له ما جرى من شركات إنتاج خارجية لم تقدر موهبته –أحد الفنانين صرخ مستغيثا أنه يعمل في بيع السندويش! أيضا ما حصل مع الفنانة أمل عرفة في مسلسلها سايكو الذي بقي حبيس الأدراج للثمن البخس الذي دُفع فيه- عدا عن وقائع أخرى جرت مع فنانين وفنانات سوريات في الخارج يندى لها الجبين، أقلها منعهم من العودة لحضن الأم.

بالتأكيد كل فنان سوري مهما كانت مهنته في هذا المجال، ساهم ولو بجزء ما في تشكيل صورة الدراما السورية التي كانت لسنين خلت واحدة من أقوى وأهم “الدرامات” التلفزيونية في الوطن العربي، حتى في منافستها للمصريين –أرباب هذه الصناعة-الذين عرفوا هذه النقطة جيدا وأدركوا خطورتها، فصار لزاما على النجم السوري مثلا، أن يتحدث باللهجة المصرية عوض لهجته المحلية، إذا أراد العمل في الدراما المصرية، وجميعنا شهدنا نماذج كثيرة لفنانين سوريين تعرضوا لابتزاز بشكل أو بآخر في مهنتهم، ومنهم من لم يعد له أي ذكر حتى في الوسط نفسه، في الوقت الذي كان فيه لا يستطيع أن يسير في شوارع دمشق دون طاقية الإخفاء، تجنبا للمعجبين الذين كانوا يسارعون حيث يجدونه للسلام عليه، لذا فالأولى بكل من “سيف” وغيره من الفنانين السوريين، العودة للعمل في بلدهم، وفي دراماهم المحلية التي هي على شفا حفرة، عوض الألعاب البهلوانية التي نراها ونسمع بها من هنا وهناك، لفنان سقط عن حبل التوازن الذي حاول أن يمشي عليه ففشل، أو لفنانة لم تعد مقدرتها التمثيلية تكفي لأدائها الدور، فصار لزاما عليها الظهور كما لو أنها “باربي” ولكن بمفاتن كاملة وواضحة!.

تمّام علي بركات