محليات

دجّالون مُشعوذون؟!

 

مرّةً أخرى شاءت المصّادفة أن أكون في مجلس أحد محضّري الأرواح والمعالجين بالرّقية؛ لم يذهلني المشهد، ولم أفاجأ بالحضور وبمستوياتهم الاجتماعية والعلميّة المُفترَضة، كما في المرّة الأولى، ولم تحجب سُحُب دُخان البخور المتصاعدة في الفضاء الضيّق المغلق فرصة سبر أغوار المشهد المؤلم؛ إذ لم تعُد ممارسة السّحر والشّعوذة قصراً على الأميّين والجهلة وأنصاف المتعلّمين؛ – كما يظنّ البعض- بل باتت تضمّ في صفوفها عدداً لا بأس به من حائزي الشّهادات على اختلافها، وبعضاً لا بأس به ممن يعدّون أنفسهم نخباً ثقافية واجتماعية!؟
ومما تكشّف لي ومن دون كبير عناء أنّ هذه العيّنة من العرافين وممارسي السّحر والشّعوذة يخلطون بين السّحر والدّين عن سابق إصرار وتصميم، بغية ترويج بضاعتهم، ويزعمون القدرة على علاج الأمراض عبر تحضير الأرواح؛  وما لا يمكن إنكاره: أنّ نسبة لا بأس بها من النّساء يعتقدن بفعل الخرافات والرّقية، ويتردّدن على المشعوذين والدّجالين سرّاً وعلانية؛ الذين يدعون كذباً قدرتهم على تسخير الجان وعلاج الأمراض والمشكلات الصّحية والاجتماعية والاقتصادية، في ظلّ اعتقاد بعض الأسر بقدرة هؤلاء على حلّ كثير من المشاكل المستعصية ولا سيّما الاجتماعية منها؛ كالتّأخر في الزّواج، أو فك السّحر، أو درء زيجة الرّجل بامرأة أخرى، أو حبس الجنيّ القائم بالمطاردة في زجاجة، أو الصّحية كعدم الإنجاب أو العقم، وكذا علاج الأمراض المستعصية.
وفي استجلاء لآراء المختصّين في علم النّفس والاجتماع والتّربية تبيّن أنّ نسبة النّساء اللاتي يعتقدن بقدرة الدّجالين على حلّ مشاكلهن تلامس 50%، وأنهن الضّحايا الأكثر إقبالاً على هؤلاء  الدّجالين والسّحرة الذين يعمدون إلى ممارسة هذه الخرافات بهدف جني الأموال. واستشهدوا بدراسات أكاديميّة على تنامي مظاهر الدّجل والشّعوذة المتعارفة لدى العامة في ظلّ الأزمة، وخلال سنيها السّبع.
والأنكى أنّ ثمّة أطباء نفسيين يجدون بعض المسوغات الإنسانيّة لهؤلاء المشعوذين، بعيداً عن حُرمة هذه الأفعال شرعاً، نظراً لما يحققونه من راحة نفسيّة للنّفوس القلقة على ألّا يتعداه إلى الإدمان والاعتماد عليه في تسيير أمور حياتهم!
كما لم يُخفِ المختصّون النّفسيّون مسؤوليّة الإعلام بوسائله كافّة عن استشراء الظّاهرة التي ساهمت – بحسب تعبيرهم- إسهاماً كبيراً في انتشار ظاهرة الدّجل والشّعوذة بين النّاس من خلال بعض الأفلام العربيّة والهنديّة التي تعرض بسذاجة للظاهرة وتُمخرقُ أبطالها وتقوم بالدّعاية المجانيّة لفعل الشّعوذة. إذ غالباً ما نرى الدّجال أو المشعوذ في الفلم ذا جاه وسلطان ويلبي دعوات الأثرياء، ويُحاط بالحفاوة والتّكريم، فضلاً عن العطايا والهبات والهدايا الثّمينة.
ولا شكّ أنّ حالات الشّعوذة على اختلافها تتغذّى على تواكل النّاس وامتثالهم القطيعيّ وانسياقهم وراء السّائد والموروث، وعلى الخرافة بما هي كسر لقوانين الطبيعة، والقائمة على الخوارق والمُمَخرقين،  إذْ يكمن سرّ الإحالة عليها في التّكوين الفطري للنّاس، والقائم في ركن من أركانه على الخوف من المجهول، وهي وإن كانت في الغرب تعيش مهيضة الجناح، ومحدودة الأثر، فإنها في بلادنا تزاحم العلم باقتدار على احتلال أذهان الدّهماء، وعندما يكون العقل في إجازة تصبح الخرافة دين الناس وديدنهم. والويل لمن ينكر الخوارق والمُمَخرقين وأصحاب التّمائم والعزائم وعفاريتهم الزّرق!.
والحال أنّ شيوع العقلية الخرافيّة يتسبّب بموت آلاف الأطفال واليافعة سنويّاً من جرّاء العلاج الشّعبي والخرزة الزرقاء وصيبة العين وصبّ الرّصاص. وبسبب هذه الخرافات تتعرض الكثير من النساء لاغتصاب حفنة من الدّجالين تحت عناوين: العلاج من العقم أو فكّ السحر عن أزواجهن المصابين بالعنّة. وثمّة من يحاجّ بالقول: هذي صحفكم وفضائياتكم ملأى بالمساحات المخصّصة للأبراج وما تستبطنه من الماورائيات؛ مما يجعل منها متكأً تسويغياً لكثير من المشعوذين وغطاء سيكولوجياً لكثير من مريديهم!؟
بيد أنّ السّؤال الأهم: هل جال في خاطرنا يوماً أن نتساءل: كم عدد محضّري الأرواح وقارئي المندل وضاربي الودع ودجالي التنجيم في مجتمعنا؟! وهلّا جشّمنا أنفسنا عناء تحصين ضحاياهم المفترضين من خلال خطّة عمل وطنيّة رسميّة وأهليّة للوصول إليهم؟!.. فَلْنَفْعَل!.
أيمن علي
Aymanali66@hotmail.com