تحقيقاتصحيفة البعث

لم تنقطع الدراسة فيها يوماً خلال سنوات الحرب رئيس جامعة حلب: ليس مقبولاً أن تبقى الأبحاث العلمية المميزة على الرف يأكلها الغبار!

استمدت قوتها من صمود القلعة الراسخة والثابتة بجذورها، ومن تشبث طلبتها، وأساتذتها على مقاعد الدراسة، لم تخفهم قذائف الغدر، بل زادتهم صلابة وإيماناً بحتمية الانتصار على الإرهاب، إنها جامعة حلب التي أفشلت المخطط الإرهابي بترهيب الطلبة والشباب لهجر جامعاتهم، ودفعهم للهجرة، في محاولة مدروسة لسرقة الكفاءات، لم تنقطع الدراسة يوماً فيها، كتبت بحبر دماء شهدائها قصة صمود يرويها في هذا الحوار رئيسها الأستاذ الدكتور مصطفى أفيوني، مع التطرق للعديد من القضايا الأخرى التي تهم الطلبة والأساتذة.
بعد سبع سنوات!
< خلال الفترة الماضية من عمر الحرب، كيف كان حال الجامعة؟.
<< بصراحة كانت فترة عصيبة، ولكن رغم قساوتها امتلكنا إرادة الاستمرار، لأننا كنا مؤمنين بحتمية الانتصار، فتابعت الجامعة مهمتها العلمية والثقافية، ولم يتوقف فيها الدوام يوماً واحداً، وكل الفضل بذلك يعود لتضافر جهود كادرها التدريسي والإداري، والدعم من القيادة الحزبية في الجامعة والمحافظة، وطلبتها، وهم العنصر الأهم والفاعل، وبذلك استمرت متحدية قذائف الغدر.
وأضاف: دعني أشير هنا إلى أن الفترة الماضية، وتحديداً في العام الدراسي 2015– 2016، تخرّج في الجامعة أكثر من 4600 خريج في مختلف التخصصات، وأيضاً عندنا 1917 طالب دراسات عليا ماجستير، و572 طالب دكتوراه، عدا عن طلبة الدبلومات ذات التخصصات المختلفة.

دور اجتماعي
< استضافت الجامعة الآلاف من الأسر المهجرة، كيف تعاملتم مع هذا الوضع لجهة تأمين السكن للطلبة؟.
<< أمر طبيعي أن يتأثر الطلبة بوجود الإخوة المهجّرين الذين أخذوا حيزاً كبيراً من السكن، خاصة عندما نعلم أن المدينة الجامعية فيها 20 وحدة سكنية، استيعابها بالحالة الطبيعية من 12– 15 ألفاً، ولكن أثناء احتضان المهجّرين وصل عدد القاطنين لـ 35 ألفاً من المواطنين.
ويضيف: حاولنا إسكان كل أبنائنا الطلبة المحتاجين للسكن، حيث تم تخصيص 7 وحدات، منها وحدة كانت مخصصة كسكن للممرضات.
وحال مغادرة أهلنا المدينة الجامعية بعد تحرير العديد من الأحياء، بدأنا بعملية الصيانة الجزئية والعامة، وهنا أتقدم بالشكر لطلبتنا الذين تحمّلوا قسوة السكن بسبب ظروف الحرب.

تسرب الأساتذة!
< جامعة حلب كغيرها من الجامعات السورية عانت وتأثرت من تسرب وهجرة الأساتذة، كيف تعاملتم مع نقص الكوادر، وخاصة لجهة الجانب العملي؟.
<< عانينا من تسرب الأساتذة ومازلنا، فالتسرب كان في مختلف الكليات، ففي العام الماضي كان لدينا 400 من أعضاء الهيئة التدريسية بحكم المستقيلين من أصل 1235، هؤلاء تركوا لأسباب مختلفة، عندنا الآن حوالي 800 عضو هيئة، هؤلاء هم من عوّضوا النقص، بحيث أخذ كل عضو هيئة تدريسية من 3-4 مقررات، وهناك من أخذ 7 مقررات، بالإضافة إلى اعتمادنا على عدد من المحاضرين من خارج الملاك.
وبالنسبة لسوية العملي، لا شك كان هناك تأثر واضح، ولكن بفضل تفاني أعضاء الهيئة التدريسية تجاوزنا المشكلة بأقل الخسائر.
أيضاً حصل تسرب إداري بنسبة 20-30% ، وبالرغم من ذلك النقص لم نكن حائرين كيف نسيّر أمور الجامعة.
< الغش بالامتحان بات ظاهرة، لماذا يلجأ الطالب للغش، هل لأنه لم يتلق علوماً صحيحة في ظل ضعف المناهج وعدم تحديثها؟.
<< للأسف بات الغش ظاهرة، وبرأيي، أحد أهم الأسباب التي تدفع الطالب للغش هو استهتاره، وعدم المواظبة على الدراسة، وعدم حضور جلسات العملي، لذا لا أتصور أن سبب الغش هو عدم حصول الطالب على المعلومة الصحيحة من المناهج، وإن كانت هناك ملاحظات عليها، أساتذة الجامعة لا يقصّرون، على الطالب أن يجتهد.
< ما هي إجراءاتكم للحد من ظاهرة الغش؟.
<< نعمل وفق الأنظمة والقوانين من أبسط حالة إلى أكبرها، ولا أحد فوق القانون كائناً من كان، فنحن نتواصل دائماً مع إدارات الكليات، ونوصيهم بضرورة التشديد على الالتزام بالتعليمات الامتحانية.
< ولكن ماذا عن الشكوى الدائمة من السلوك السيئ لبعض المراقبين ورؤساء القاعات، ولماذا استمرار الأسئلة التعجيزية في بعض المقررات؟!.
<< لا ننكر، قد يحدث خلل بهذا الخصوص، ولكن نحن كإدارة جامعية نؤكد في كل مرة على تأمين الأجواء الامتحانية الجيدة، وكن على ثقة، كل مراقب يتصرف خلافاً للقانون تتم محاسبته فوراً، كما أننا لا نتعاطف مع أي أستاذ مخطئ، وبخصوص الأسئلة من خارج المقرر، هناك قانون يجيز لأستاذ المقرر أن يضيف 20% من خارج المقرر، ولكن عندما يثبت أن الأسئلة تعجيزية وكيدية نأخذ الإجراءات اللازمة التي تحقق العدالة للطالب الذي هو بوصلتنا.
< هل تمت مساءلة الكادر التدريسي؟.
<< بالطبع يوجد أساتذة تعرّضوا للمساءلة من قبل مجلس التأديب في الجامعة، وهناك حوالي 3-4 أساتذة محالين للتحقيق نتيجة أخطاء لا تتعلق فقط بالامتحانات، وإنما بالعملية التعليمية ككل.
نحن نعتمد مسطرة واحدة، ونتعامل بالوثائق والدلائل القاطعة، ونحكم على أساسها، ويعلم الجميع، عندما نحصل على الإثبات الذي لا يدع مجالاً للشك نتخذ القرار المناسب دون تردد أو مجاملة.

مجرد شعار!
< دائماً نسمع عن شعار ربط الجامعة بالمجتمع، أين جامعة حلب منه لجهة البحث العلمي؟.
<< أنا أعترف أن البحث العلمي في جامعاتنا مازال متناثراً ومبعثراً في الكليات، وبذلك لا فائدة منه، بمعنى هناك قتل للبحث العلمي، غير مقبول أن تبقى الأبحاث المميزة على الرف ليأكلها الغبار، رغم أنها ذات قيمة كبيرة، من المفروض أن نستفيد منها، ونسأل من خلالها: ماذا نريد من البحث العلمي في الجامعة؟.
وبخصوص البحث العلمي لطلاب الدراسات العليا والدكتوراه بجامعة حلب، أستطيع القول إنه لم ينقطع، ومن أجل استثمار الأبحاث قمنا بتشكيل لجنة في كل كلية تطبيقية لتذهب إلى المؤسسات العامة والخاصة لمعرفة حاجتها للبحث العلمي، وخلال الفترة الماضية ظهرت عدة تجارب متميزة في البحث في المعرض الأخير للإبداع والاختراع، حيث حصلت جامعة حلب على 7 ميداليات.
< كيف يمكن تفعيل البحث العلمي؟.
<< نحن اليوم بأمس الحاجة لوضع استراتيجية تنفيذية للبحوث المتميزة ذات الجدوى بدلاً من وضعها بالأدراج، وذلك بحسب ما نحتاجه، وخاصة أن البلد “مُقدم” على مرحلة إعادة الإعمار.
أيضاً يجب أن نعمل على تخصيص مهمة الجامعات بالبحث، بمعنى أن نخصص كل جامعة بمجال محدد تبحث به حتى لا تكرر الأبحاث ويضيع جهد باحثيها، وبصراحة أمر مؤسف أن يغيب التنسيق والتشبيك بين الجامعات والمؤسسات المختلفة، وأنا أطالب بوضع خطوط عريضة لتعرض كل مؤسسة مشاكلها للجامعات الحكومية والخاصة.
< كرئيس جامعة، ما هي ملاحظاتك على قانون التفرغ العلمي؟.
<< القانون يحتاج إلى تعديل كي يكون منصفاً لجهد الأستاذ، وهناك دراسة في وزارة التعليم العالي بهذا الخصوص، حيث تقدمت كل جامعة بعدة مقترحات.
< أين الثغرة بالقانون؟.
<< القانون كانت توجد فيه الكثير من التعويضات، ولكن تم إيقافها، إضافة إلى أن قيمتها قليلة جداً، لذلك نحن في جامعة حلب طالبنا برفعها خمسة أضعاف، وكلنا أمل أن تتم الموافقة، فنحن اليوم نعيش حالة تنافس مع الجامعات الخاصة التي تغري الأساتذة برواتب كبيرة، وبالتأكيد لا نقبل أن تكون الجامعات الحكومية على الهامش.
< هناك من ترحّم على الكتاب الجامعي في ظل الانتشار الهائل للملخصات “النوت”، كيف تفسرون ذلك؟.
<< لا ليست الأمور بهذا الحجم الخطير، الكتاب الجامعي لم ولن يموت، والمفروض العمل بشكل متواصل لتحديثه وتطويره ليكون ملبياً لمتطلبات سوق العمل، ولابد هنا من دعم الأستاذ الجامعي لتشجيعه على التأليف، نحن نسعى للكتاب الجامعي المرجع الشامل، و”النوت” تشوه أفكار الأساتذة، وتوقع الطالب بالكثير من الإشكالات، والغريب أن بعض الطلبة يصرون على الاعتماد عليها بالرغم من التحذيرات والإجراءات التي اتخذتها الجامعة ضدها!.

خطوة متقدمة
في نهاية الحوار لفت الدكتور أفيوني إلى أن الجامعة، وبالتعاون مع محافظة حلب، ستعقدان مؤتمراً شبابياً بهدف إشراك الشباب في جميع مفاصل الحياة العامة ضمن محاور تتعلق بالزراعة، والصناعة، والسياحة، والصحة، والبيئة، والطاقة، والموارد المائية، والنقل، والتنمية السكانية، والاجتماعية، والثقافية، محلياً، وإقليمياً.

حاوره: غسان فطوم
ghassanfatom@gmail.com