اقتصادصحيفة البعث

استمرار الحظر التقاني والحصار الاقتصادي يعوق تجديد البنية التحتية اللازمة على خلفيـة ازدياد نســبة الفاقـد.. دعوة علمية لإطـلاق حـوار وطنـي حـول قضايـا الطاقة

ساق تقرير السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار جملة من المقترحات العامة لتطوير قطاع الطاقة، لعل أبرزها إجراء مسح ميداني للتجهيزات التي تستخدم الطاقة في السوق المحلية، ووضع قائمة بيضاء وأخرى سوداء للتجهيزات الموفرة الطاقة وغير الموفرة لها، بهدف ضبط واستبعاد التجهيزات ذات الاستهلاك العالي للطاقة والمنخفضة الجودة. إضافة إلى إجراء مسح للصناعات المحلية القائمة في مجال الطاقات المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، والعمل على تطويرها، وعلى توطين التقانة الحديثة في مجال المواد فائقة الناقلية الكهربائية.

مسببات
لاشك أن ثمة مسببات دفعت بالهيئة العليا للبحث العلمي –التي أعدت هذا التقرير- إلى مثل هذه المقترحات وقد أدرجتها ضمن خانة نقاط الضعف التي تكتنف قطاع الطاقة، يتصدرها وجود الفاقد الكبير في الطاقة الكهربائية عبر شبكات النقل والتوزيع والذي تتجاوز نسبته الـ30%، إضافة إلى الاعتماد بشكل رئيس على طاقة الوقود الأحفوري المتجه نحو النضوب، وضعف الاستثمار في الطاقات المتجددة، وتقادم مصفاتي النفط في حمص وبانياس، وعدم استثمار مصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب تدهور وضع البنية التحتية لنقل وتخزين النفط والغاز بشكل كبير نتيجة الأزمة التي تمر بها سورية.

أبعد من ذلك
وقد ذهبت الهيئة في مقترحاتها إلى أبعد من ذلك لما لموضوع الطاقة من أهمية استراتيجية، حيث دعت إلى إطلاق حوار وطني حول قضايا الطاقة وأهمية البحث العلمي والتطوير التقاني في مواجهة التحديات المرتبطة بها، مع إطلاق حملات إعلامية عن أهمية التعليم التقني والفني وإضافة منهاج الطاقة إليه، وتحفيز الطلاب على الدخول إليه، بالتوازي مع الاستثمار في تحفيز الناشئة للدراسة في مجالات الطاقة والتقانة والتنمية المستدامة، وتشجيع البحث العلمي في مجال العلوم الأساسية ذات التوجه المعرفي المرتبطة بالطاقة، وإنشاء بنك معلومات حول الطاقة يتضمن جميع البيانات الإحصائية المتعلقة بالاستهلاك والتقانات المستخدمة، بحيث يضم جميع المشكلات البحثية لجميع المشاريع المتعلقة بقضايا الطاقة بالوزارات للاستفادة منها ومنعاً لتكرار إجرائها. وإحداث منظومة لقطاع الطاقة والتقانات المرتبطة بها تتضمن آليات تقييم ومتابعة أدوات هذه المنظومة.

طرح علمي
ويتبين من خلال هذا التقرير علمية الطرح والتشخيص لهذا القطاع، إذ أوضح التقرير أن واقع البحث العلمي في مجال الطاقة في سورية لا يختلف عن الواقع العام للبحث العلمي والتطوير التقاني في البلاد، والذي يمكن تلخيصه بأنه ما يزال يُشكّل نظاماً هشاً، ضعيف الأثر ومغلقاً على ذاته، وأن تفاعلاته تكاد تكون معدومة مع الجهات الأخرى في المنظومة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار، مثل الشركات والمؤسسات الإنتاجية والخدمية والوسطاء وباقي أطراف العرض والطلب في سوق البحث العلمي، وكذلك مع الأطراف الفاعلة ضمن البيئة الإقليمية والدولية. ومع ذلك فإن توفر بنية تحتية مقبولة للبحوث في مجال الطاقة والطاقات المتجددة خصوصاً، إضافة إلى وجود المركز الوطني لبحوث الطاقة يعتبر نقطة قوة يمكن البناء عليها وتطويرها في عملية البحث العلمي في هذا القطاع.

نقاط قوة
وأشار التقرير ضمن سياق تحليله للواقع العام لقطاع الطاقة إلى عدد من نقاط القوة التي يتمتع بها هذا القطاع والمتمثلة بوجود احتياطي اقتصادي من النفط والغاز، ووجود مصفاتين لتكرير النفط تؤمنان جزءاً هاماً من حاجة البلاد للمشتقات النفطية، وانتشار محطات توليد الكهرباء في عدة مناطق في سورية، وتوفر إمكانية تخفيض استهلاك الطاقة من خلال عمليات العزل الحراري في الأبنية الحديثة.

فرص
كما أن ثمة عدداً من الفرص لتطوير هذا القطاع، منها الاهتمام به على الصعيد الرسمي من قبل الحكومة التي صنفت الطاقة بين القطاعات ذات الأولوية الأولى في عملها، الأمر الذي سينتج عنه تنامي الدعم الحكومي للبحث العلمي في قطاع الطاقة بمختلف الأشكال، إلى جانب الظروف البيئية والمناخية الملائمة للاستفادة من الطاقة الشمسية؛ إذ إن معظم أيام السنة مشمسة في سورية، والاستفادة من طاقة الرياح حيث توجد أماكن مثالية لإقامة مزارع رياح. يضاف إلى ذلك صدور تشريع يسمح للقطاع الخاص بالاستثمار في مجال الطاقة، وتنامي الوعي الاجتماعي بأهمية قطاع الطاقة، والربط الكهربائي مع دول الجوار.

مخاطر
وحذر التقرير في الوقت ذاته من وجود عدد من المخاطر المحيطة بهذا القطاع يتصدرها استمرار الحظر التقاني والحصار الاقتصادي المفروض على سورية والذي يعوق عملية تجديد وتطوير البنية التحتية اللازمة للعمل في مجال الطاقة، وعدم إيجاد مصادر بديلة عن احتياطي الطاقة الأحفورية المتناقص، وعدم القدرة على تخفيض الهدر والفاقد في الطاقة الكهربائية، إلى جانب القصور في تلبية الطلب المتنامي على الطاقة.

ترشيد
ودعا التقرير إلى ترشيد وحفظ الطاقة وتحسين كفاءتها على مستوى قطاعات الاستهلاك، وعلى مستوى قطاعات إنتاج النفط والغاز وقطاع الكهرباء، وذلك من خلال البحث في أساليب رفع كفاءة استخدام الغاز الطبيعي، والبحث والتطوير في أساليب رفع الكفاءة الإنتاجية والبيئية لمصافي تكرير النفط، وكذلك البحث في مجالات الاستخدام الأمثل للموارد غير التقليدية وخاصة السجيل الزيتي، الزيوليت، الفوسفات، النفط الثقيل جداً، الطف البركاني، الإسفلت، الرمال الكوارتزية، …إلخ. وأيضاً البحث في أثر تحرير أسعار حوامل الطاقة على ترشيد استهلاك الطاقة والاقتصاد الوطني. إضافة إلى بحث ودراسة اقتصاديات الشبكة الكهربائية الوطنية، ودراسة إمكانية ربط مجموعات توليد المشتركين الكهربائية بالشبكة العامة للكهرباء، والبحث المعمق في الفاقد الكهربائي “أسبابه، حسابه، طرق معالجته، …إلخ” ووضع الحلول، إلى جانب البحث في الاختيار الأمثل لمواقع جديدة لمحطات التوليد، ومحطات التحويل، والبحث في تخفيف آثار التوافقيات في الشبكة الكهربائية وإيجاد الحلول المناسبة، إضافة إلى إجراءات البحوث حول صلاحية استخدام العوازل السيليكونية في شبكات التوتر العالي والمتوسط.

تطوير
كما دعا التقرير إلى تطوير واستحداث آليات استثمار الطاقات المتجددة “الطاقة الشمسية الحرارية، الطاقة الشمسية الكهروحرارية، الطاقة الشمسية الكهروضوئية، طاقة الرياح، طاقة الكتلة الحيوية، طاقة الحرارة الجوفية، طاقة أمواج البحر، تقانات تخزين الطاقة، الهيدروجين وخلايا الوقود، تطبيقات النانو تكنولوجي في مجال الطاقة، محطات الطاقة الهجينة”. كما ركز التقرير على ضرورة دراسة التأثيرات المتبادلة بين الطاقة والبيئة من خلال تقييم أثر انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة من استخدام تقنيات الطاقة على الصحة العامة، ومجابهة تغير المناخ والاستفادة من آليات التنمية المنبثقة من ذلك.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com