صحيفة البعثمحليات

الاستثمار في الإنسان..!

 

أمّا وقد أغلقت العطلة الصّيفيّة أبوابها، وأسدلت ستائرها، إيذانًا ببَدءِ عامٍ دراسيٍّ جديدٍ، يعُود مَعه نحو 4 ملايين من أبنائنا إلى مقاعد الدّراسة، يحدوهم الرّجاء بأنْ يُحقّقوا فيه ما يعلّقون عليه من آمال وما يتطلّعون إليه من أحلام، بعيونٍ وأرواحٍ مُفْعَمة بالأمل، تشخص إلينا هامسةً بسؤال خجول: هل نحن على قدر المسؤوليَّة عنايةً وتخطيطاً ومتابعةً واهتماماً؟

وهلّا حصّنّا العمليّة التّربويّة بما يكفي؛ كيلا يتحوَّل التّعليم لدينا إلى عملية روتينيّة أبْعَد ما تكون عن الإبداع والابتكار ومواكبة الجديد من المعارف والعلوم.؟ ولاسيّما أننا نعيش اليوم عَالماً تسوده التّقانة الحديثة، وتُعلن فيه الأجيال الجديدة عن نفسها بصخبٍ وقوَّة وعُنفوان، عبر وسائل تواصل أصبحتْ تعجُّ بعديد المشاعر المتباينة، ومتناقضات السّلوك..!

عالمٌ ترتسم فيه المدرسة كحاضنةٍ تربويةٍ، تضطلع فيه إلى جانب عملية التّعليم والتعلُّم، بمهمّة تشكيل الوعي الثقافي والحضاري والبناء الفكري للأجيال؛ ما يُحتّم على القيّمين عليها إدراك أنَّ دورها البنيويّ لم يعُد مقتصراً على مُجرد الإسهام في رَفع مستوى الطالب معرفيًّاً؛ بل يتعدَّى ذلك إلى ما وراء المعرفة، كمؤسَّسة فاعلة تخطِّط لأن تمتدَّ أنشطتها إلى الطلاب خارج نطاق المفهوم الضيّق والتقليدي للمنهج المدرسي، عبر إكسابهم الخبرات والمهارات الحياتيّة بألوانها كافّة، ووضعها موضع التّطبيق، ويتأتّى ذلك من خلال استحداث برامج تربويّة نوعيّة تُسهم في إعداد مُتعلّمِين دائمي التّعلّم، مُتلهّفين للعمل وتحقيق الذّات، مُتعايشين مع غيرهم على اختلافاتهم، مُواكبين لتطورات العصر من حولهم؛ مُنفتحين على العالم، مسكونين بالمبادرة والإقدام.!

مدرسةٌ ترسُم بكثيرٍ من المسؤوليّة الوطنيّة خارطة مستقبل أبنائنا الطّلبة، وفضاءات التّلاقي والانصهار، بين مكوّنات وفسيفساء النّسيج الوطنيّ الجامع، وترسيخ مقوّمات الاندماج المجتمعيّ البنَّاء.!

أمّا في الضّفة المقابلة فيتوجّب علينا كأولياء أمور؛ تحمُّل مسؤولياتنا بأمانة، ووضع خطّة واضحة لمتابعة وتوجيه أبنائنا؛ انطلاقاً من قاعدة أنّ “اليد الواحدة لا تصفِّق”، وبالتالي فإنّ الجهود المدرسيّة من دون المتابعة الأسريّة تغدو قليلة الجدوى، وهي مسؤولية الأبوين؛ إذ لا يمكن بأيّ حال التّخلِّي عنها لمُربية، أو لمدرِّسٍ خاص! ومن المؤسف أن نجد بيننا بعض أولياء أمور لا يُبالون، لا بل إنّ بعضهم لا يدرون في أيٍّ من الصّفوف يدرس أبناؤهم، وما العلوم التي يتلقّونها، أو التّحديات التي تعترض طريقهم، وأين مَواطن الضَّعف والقوَّة لديهم، بحجَّة أنَّ السَّعي وراء الرّزق يستنزفهم ويلتهم أوقاتهم، ولا يُتيح لهم فرصة التّلاقي على طاولة المذاكرة ولو لساعة واحدة في اليوم.! ضاربين عرض الحائط بالدّور المحوري للأسرة في العزف على أوتار الأمل وصناعة المستقبل تشجيعاً وتحفيزاً ومساعدةً..!

علينا أن نُجرّب الجلوسَ مع أبنائنا، ولنناقش معهم كيفيّة استعدادهم للعام الدّراسي الجديد، لنشجِّعهم على الاجتهاد والتفوُّق، لنغرس فيهم حبّ العلم والمعلّم والمدرسة والوطن، لنحدِّثهم ولنستمع إلى شجونهم المتعلّقة بمدرستهم ومُعلِّميهم، لنعلِّمهم تبجيل المعلّم، وتقديس العلم، وإجلال الوطن..!

علينا أن نُنمّي في طلابنا وطالباتنا الشّعور بأنّهم قادة، وأنّ مستقبل الوطن هو في طموحاتهم وإبداعاتهم ومستقبلهم، ومتى ما كانت العائلة على قدر من الوعي واتّخذت الأساليب التّربوية الصّحيحة، وعملت على أنّها شريك في تعليم أبنائها وتثقيفهم وتدريبهم وتأهيلهم كشريكٍ استراتيجي للمدرسة؛ فستُثمر الجهود وتكون المدرسة بيئة خصبة للإبداع، ويغدو الطّلبة أقوياء يتجاوزون الصّعاب جميعها.!

فالمسؤوليّة ههنا: تكامليّة تبادليّة مشتركة، تقوم على التّعاون الأسريّ والمدرسيّ والمجتمعي، في تهيئة الطلبة لاستقبال العام الجديد بشغفٍ، ديدنُه التّفاعل الإنسانيّ المجتمعيّ، لتحقيق التّغذية الفكريّة المعرفيّة والسّلوكيّة المأمولة، استثماراً في الإنسان..!

ولبُناة الأجيال نقول: لديكم الكثير من المسؤوليّات، والأعباء التي قد لا يدركها، ولا يشعر بها الكثيرون ممن حولكم، ولكن يجب ألّا تنسوا أنّكم أصحابُ رسالة؛ ولا بدّ دونها من القيام بالدّور المنوط على أكمل وجه، كما لا بدّ لكم من تطوير أدواتكم، واستراتيجياتكم التّعليمية، تحقيقاً للذّات وتحصيناً لها، فقنوات المعرفة باتت كثيرة في واقعنا الرّاهن، وغير محدودة..!

والحال أنّه لا بدّ من الحوار الأبويّ الحاني بين الآباء والأبناء، وجلسات النّقاش الخالية من الاستبداد والإلزام بين المعلِّمين والطّلاب، وتنمية دور مجالس أولياء الأمور، وتجاوز الصُّورة النّمطية لها، إلى فعاليّاتٍ ومشاركاتٍ تُؤصِّل في نفوس الطّلاب حقيقة أنَّ المدرسة والبيت وجهان لعُملة واحدة؛ تتكامل أدوارهما وتتعاضد لتحقيق الاستثمار الأمثل في الإنسان..!

أيمن علي

Aymanali66@Hotmail.com