دراساتصحيفة البعث

ألمانيا تفشل في تصدير قوميتها

 

ترجمة: هيفاء علي
عن ريزو انترناسيونال 3/3/2019

يُعقد عادة مؤتمر ميونخ للأمن سنوياً في العاصمة البافارية، ويجمع الجهاز العسكري الأمريكي- الأوروبي، ووزراء الدفاع، والخارجية مع قادة المجمّع الصناعي العسكري على جانبي الأطلسي.
قبل أيام عُقد المؤتمر بتغطية إعلامية خاصة من قبل جهاز البروباغندا الخاص بهذا المؤتمر. وعادة ما يتمّ الإشادة بجهود الدول المشاركة ودورها الأمني، لكن هذه المرة أشار هذا التجمع المحارب إلى خطر عزلة ألمانيا المتنامي في خضم الفوضى العالمية الراهنة.
وصل نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مايك بنس إلى ميونخ قادماً من وارسو عقب تنظيمه مؤتمر “التحريض ضد إيران”، الذي حضرته إسرائيل وحلفاؤها العرب وبولندا، وغابت عنه الدول الأوروبية الرئيسية. وفي وارسو، هدّد بنس بالقطيعة مع الناتو وخلق المزيد من المسافة بين أوروبا والولايات المتحدة، إذا لم يتعاون الأوروبيون في هدم الاتفاق النووي مع إيران، ومحاربة خط الأنابيب “نورد ستريم 2” الذي من خلاله ستزيد روسيا إمداداتها من الغاز إلى ألمانيا، ومن هناك إلى أوروبا تحت مياه بحر البلطيق.
وفي وارسو قال بنس: “لا يمكننا ضمان الدفاع عن الغرب إذا اعتمد حلفاؤنا على الشرق، وإن الشركات المرتبطة بصادرات الطاقة الروسية تشارك في أمر يمثّل مخاطر كبيرة على العقوبات من جانب الولايات المتحدة الأمريكية”. لقد وصلت الرسالة الأمريكية المتعاطفة، وهي الدعم العلني للحزب البديل في ألمانيا، إلا أن الساسة الألمان يتصرفون كما لو أن شيئاً لم يحدث، ففي خطابها في ميونخ، على سبيل المثال، لم تحتج ميركل عندما اتضح أن وكالة الأمن القومي كانت تتجسّس على اتصالاتها.
في الواقع، تدفع ضغوط ترامب المتواصلة الأوروبيين إلى تمكين أنفسهم لتطوير خطط لإنشاء جيش أوروبي، وهي سياسة تحتاج بالضرورة إلى بعض العلاقات الطبيعية مع روسيا، مما يعني مراعاة مصالح موسكو الأمنية، ولكن الأمور معقّدة. فهل هناك أي بارقة أمل في أن يكون ترامب مجرد ظاهرة عابرة وأن يعود خليفته إلى العلاقات السابقة؟ الأمر غير مرجح، وهناك أيضاً علامات واضحة على انفصام الشخصية في المؤسسة الألمانية، التي لديها قلب مشترك بين الأطلسية الحدودية وأولئك الذين يريدون القيام بأعمال تجارية مع روسيا والصين وإيران.
فيما يخصّ سياسة الطاقة المشتركة، لم تعد فرنسا قادرة على الالتزام بما يجري مع “نورد ستريم 2″، وما يحدث هو أن فرنسا لا تدعم ألمانيا في وضع نفسها كمحور قاري ما لم توافق على منحها دور الموزع القاري للطاقة النووية. وفي 22 كانون الثاني الفائت أبدى وزير الطاقة الألماني بيتر ألتماير رأيه حول “التخلي المتوازي” عن الفحم والطاقة النووية، وبعد بضعة أيام، استجابت باريس بسحب دعمها لـ”نورد ستريم 2″ وإجراء مفاوضات متطرّفة لمنع المفوضية الأوروبية من عرقلة خط الأنابيب.
وبالنسبة لفكرة الجيش الأوروبي، الألمان يفكرون في هذا الأمر، حتى أنهم يقترحون “أوروبة” الردع النووي الفرنسي، لكن في باريس، أوضح رئيس هيئة الأركان فرانسوا لوكينتير، أن هذا المورد الفرنسي غير قابل للشراكة، وأضاف: “إن الاستقلال الذاتي للقوات النووية الفرنسية مضمون حتى عام 2050 على الأقل”.
حقيقة، يمتلك الألمان على أراضيهم عشرات القنابل النووية من الولايات المتحدة، في قواعد بوشيل ورامشتاين، وهذا الرقم لا يعرفه الساسة الألمان أو لا يريدون معرفته، وهم لا يجرؤون على القول للأميركيين أن يعودوا إلى ديارهم كما يريد معظم الألمان. إذن كل ما تمّ الإشادة به في النموذج الألماني في أوروبا ينقلب اليوم ضدها، وإن المزرعة النموذجية التي أعطت دروساً في اليمين واليسار للعالم باتت ضحية إستراتيجيتها الأنانية!.