تحقيقاتصحيفة البعث

بعد سنوات أشكال جديدة لآثار الأزمة على المجتمع.. والأطفال والشباب الأكثر تأثراً

 

 

آثار الأزمة تأخذ أشكالاً جديدة ومستمرة مع تمدد الزمن الذي يفصلنا شيئاً فشيئاً عن تلك الكوابيس التي مرت ببلادنا، وسكنت بالنفوس، وأزهقت الأرواح، ودمرت جزءاً من حضارتنا وقيمنا ومشاعرنا.

واقع مرير
مجموعة من طلاب وخريجي الجامعات أكدوا أن آثار الأزمة أغرقت الشبان الذين لم يهاجروا وبقوا أحياء، والذين يعيشون واقعاً مريراً من كل النواحي، فالبعض ذهب لاستغلال طموحات الشباب المحطمة إبان الأزمة، والتي أصبحت مثل الغريق الذي تمسك بقشة، فأقحموا في بداية إشاعاتهم وأخبارهم المختلقة عبارات للإيقاع بالشباب، مثلاً: منشور يهم طلاب الجامعات، قانون جديد يستهدف توظيف طلاب الجامعات، بيوت خشبية رخيصة لطلاب الجامعات، ولسان حال جميع من التقيناهم يقول: هل حقاً أصبح طلاب الجامعات فئة مضللة وغير مميزة ومنساقة لهذه الدرجة، بدلاً من أن يكونوا قادة القوة البناءة، والقاعدة الفكرية الواعية لعملية إعادة الإعمار؟! من جهة أخرى نلاحظ تفشي ثقافة الخرافة، وحكايا الجدات بين جميع الفئات، والتي بدأت تأكل العقول، وتعيد الناس عشرات السنوات للخلف، فمن لديهم مفقود تراهم ضحايا للمشعوذين الذين يبثون أفكارهم الخبيثة، ويدّعون القدرة على رد المفقود، ومعرفة أخباره مقابل حصولهم على المبالغ المالية الطائلة، والرضوخ من قبل عقول هؤلاء الناس البسطاء الذين يعيشون الأمل الكاذب بعد فقدان أحبتهم، حتى إن مستخدمي الفيسبوك بدؤوا ينشرون أشياء غريبة على صفحاتهم بعد شربهم من أفكار وهرطقات مفادها أن “دعوات الغريب” لقريبهم المصاب أو الموجود في المشفى بحالة خطرة مستجابة، ومشاركة المنشور قد تشفي قريبهم بعد نشرهم صورته، وهو في العناية المشددة، أو غرف المشفى الأخرى، دون احترام لإنسانيته، ودون احترام المنطق، أو معادلات الطب والصيدلة، فهل نحن حقاً نستعمل الفيسبوك في القرن الحادي والعشرين، يتساءل الجميع؟!.

الأطفال “يضرسون”
الأطفال، تلك البراعم الصغيرة، بحاجة لكل رعاية واهتمام، وهم اليوم تحت وطأة الآثار التدميرية والمادية والجسدية التي تخلّفها الحروب التي انعكست على الأفراد بمختلف فئاتهم وأعمارهم، بحسب الدكتورة منى كشيك، كلية التربية جامعة دمشق، فمن الأضرار الكبيرة للحرب أن الطفل يختزن في خياله مشاهد العنف التي قد تنعكس على واقعه بأعمال عدائية ناتجة عن أزمة نفسية بسبب خوفه مما يراه من مشاهد قد تؤدي به لتشتت الانتباه والاكتئاب، فهم لم يعتادوا الحروب، وقلوبهم الصغيرة لم تعد تحتمل ثقلها، ويأخذ التأثير النفسي شكل اضطراب الضغوط المتتالية للأزمة، أو الصدمة النفسية الذي نلاحظه عند الأطفال متمثّلاً بثلاثة أعراض: الأول: حالة الاستثارة الفيزيولوجية، وهي مجموعة الآثار الجسدية للصدمة التي تظهر بوضوح عند الأطفال مثل التبول اللاإرادي، وقد يتخطى الطفل تلك المرحلة، ولكنها قد تعود إليه مرة أخرى، والثاني: تكرار الحدث الصدامي، وفيه يتكرر الحدث المرضي لدى الطفل، سواء بأحلامه أو يقظته، ويرى تلك الحادثة أو الصدمة قد تكررت وحدثت مرة أخرى، والثالث: حالة التجنب والانطواء، حيث يرى الطفل نفسه وحيداً، ويبتعد قدر الإمكان عن أقرانه، ويرفض القيام ببعض الأعمال، أو الذهاب إلى بعض الأمكنة التي يكلف بالذهاب إليها، ويرفض النوم وحيداً، أو الأكل أو النوم، ويلجأ في تلك الأعمال إلى أمه، أما المراهقون فيظهر التأثير الأكبر للحرب عليهم بشكل سلبي على الصعيد السلوكي، حيث إن المراهق الذي عايش مرحلة أعمال التخريب والحرب تزود بصورة مشوهة عن الحقيقة والواقع، فيتماثل بعض المراهقين مع مشاهد العنف التي يعتبرونها رمزاً للقوة وتحقيق الذات، أو يعتبرونها سلوكاً سليماً، إضافة لاتجاه البعض الآخر نحو المخدرات أو السرقة تعبيراً عن رفض الواقع وتغييره، أما الكبار فقد بدت عليهم أيضاً آثار نفسية نتيجة الأزمة، منها: التشتت الذهني- ضعف التواصل الاجتماعي- حب الذات والأنانية والفردية– اضطرابات النوم– الاكتئاب، وانعكاس تلك الاضطرابات النفسية على الجانب الجسدي، حيث يعاني الكثير منهم تبعاً لذلك أمراض القلب، وضغط الدم، والسكري، وغيرها من الأمراض الجسدية ذات المنشأ النفسي.

الحد من آثارها ليس سهلاً
وتابعت د. كشيك: تختلف آثار الصدمة النفسية الناجمة عن هذه الأزمة وفقاً لفئتين من الأشخاص، تشمل الأولى الأشخاص الذين عاشوا تجربة سابقة أو مشابهة، والثانية الأشخاص الذين لم يتعرّضوا لهكذا تجربة، وبالتالي فإن تكرار التجربة لدى من خَبِرها قد تؤدي به إلى تحطيم الأمل والثقة بإمكانية الحصول على الأمان مجدداً، كما يجد هذا الشخص نفسه غير قادر على إيجاد التفسير لما يجري حوله، لأن تكرار التجربة يعيد إحياء الصدمة الأولى، إضافة للمعاناة التي يعيشها في حاضره، ويحاول بعض الأفراد أثناء الحرب أن يتفادى المخاطر بكل ما أوتي من قوة، وأن يبقى حياً، وبالتالي فالبعض يعبّر عن حالة الصدمة بالبكاء أو القلق الشديد الدائم، وتظهر الأعراض النفسية الناتجة عن الصدمة بعد زوال التهديد بفترة، وتتضمن هذه الأعراض: القلق الحاد، والهلوسة، وزيادة ملحوظة في الحركة، وأحياناً الغياب عن الواقع، والشعور بالذنب، ولابد من الإشارة إلى أن ما يمكّن الفرد من تحمّل القدر الكبير من الخسائر البشرية والمادية هو استخدامه لعملية التأجيل كآلية دفاعية نفسية لنسيان مرارة الواقع، أو من خلال قيام البعض بإعطاء معنى سام لما يحصل، والفخر بقيم البطولة والشهادة، وغيرها من الخصال النبيلة، ونكران الخسارة للتخفيف من وطأة ما يجري.
بشار محي الدين المحمد