تحقيقاتصحيفة البعث

صناعة الزبيب.. طقوس تعزز الحياة الاجتماعية ومشاكل تسويقية ترهق المزارعين

ما إن تدخل محافظة السويداء ستجد على جانبي الطريق آلاف الدونمات المزروعة بالعنب، والتي يعتبرها المزارعون هناك زراعتهم المفضلة، ويتجهون لاستخدام المنتج في صناعات متعددة كالعصير والدبس، أما الصناعة الأبرز فهي صناعة الزبيب الذي تنتجه معظم قرى المحافظة بأجود أنواعه المختلفة، ويتميز بنكهته الجميلة، وطعمه الحلو، وسكره العالي.

صناعة شعبية
ولصناعة الزبيب في السويداء طقوس خاصة تتعزز من خلالها الحياة الاجتماعية، حيث يشارك كل أفراد الأسرة في تلك الصناعة التقليدية المتوارثة التي تشتهر بها المحافظة، حيث يعمل بها الكبير والصغير والسيدات أيضاً، فتجد العجوز يعمل وينقل خبراته التي اكتسبها عن آبائه وأجداده لأبنائه، وتوارثت الأجيال صناعة الزبيب فأصبحت مهنة جميع أهالي القرى، ومصدر دخلهم الرئيس لكسب الرزق، ويحتل زبيب السويداء الصدارة من حيث الجودة العالية، وتماسكه، ونسبة السكريات العالية عن مثيله من الزبيب الإيراني، والصيني، واليمني، وينافس بقوة في السوق المحلي والأوروبي.
هذه الصناعة يفضّلها عدد كبير من مزارعي مادة العنب لما لها من أهمية اقتصادية، حيث تقدّر نسبة العنب المستخدمة في صناعة الزبيب بحوالي 87ر8 بالمئة من إجمالي الإنتاج السنوي من العنب في المحافظة، وتتركز مراكز الإنتاج بصورة رئيسية في مناطق ظهر الجبل، والكفر، ومياماس، وعرمان، وقنوات، ومفعلة، إضافة إلى بقية المناطق التي تنتج العنب بدرجات متفاوتة، وتصل كمية العنب المستخدمة في صناعة الزبيب في المحافظة إلى 3724 طناً، ينتج من خلالها حوالي 927 طناً سنوياً.
“البعث” تجولت بين المزارعين للوقوف على خطوات إنتاج الزبيب منذ جمع محصول العنب وحتى الخروج بالمنتج النهائي، حيث يشرح المزارع نائل الديك من قرية مفعلة مراحل تلك الصناعة فيقول: إن تحضير الزبيب يتم على عدة مراحل تبدأ بتنقية حبات العنب من العناقيد، وهي ما تسمى بعملية التحبيب، أي فصل الحبات عن العنقود يدوياً حيث يفضل اختيار الحبات الكبيرة، ثم توضع في الماء لتنظيفها، لتبدأ عملية السلق وغمر العنب المحبب في ماء يغلي لمدة دقيقتين، وأضاف الديك: بعدها يضاف إلى العنب زيت الزيتون، وبودرة مادة القلي للوصول إلى عملية التجفيف بعد فرش الحبات على سطوح المنازل، أو في الحقول الزراعية، حيث تترك عدة أيام في أشعة الشمس، وعندما تجف تصبح جاهزة، حيث يفضّل التجفيف الطبيعي عن الصناعي.
وبيّن “الديك” أن كل خمسة كيلوغرامات عنب تنتج كيلوغرام زبيب، مشيراً إلى أن المزارعين يتعرّضون لخسائر متفاوتة حسب سعر مادة الزبيب في الأسواق التي يتحكم بها التجار، وغالباً ما يتم بيع المنتح بسعر التكلفة أو أقل بقليل جراء ارتفاع تكلفة التصنيع من مواد أولية، وأيد عاملة.

معوقات تسويقية
أكثر من 10 آلاف فرصة عمل موسمية تؤمنها صناعة الزبيب، خاصة أن عدداً كبيراً من الأسر الفلاحية في المحافظة تعتمد على هذه الصناعة كخطوة لتسويق إنتاج العنب، يشير هنا المزارع مرسل صيموعة من قرية عرمان إلى أن سعر كيلوغرام الزبيب يتراوح بين 800-1000 ليرة سورية، سواء خلال فترة موسم إنتاج العنب التي تبدأ من شهر تموز وحتى نهاية تشرين الثاني، أو خارج هذه الفترة كونه يخضع لعملية التخزين، داعياً إلى إقامة شركات تسويقية مختصة بهذه الصناعات التقليدية، والتزام شركة الخزن والتسويق باستلام مادتي الزبيب والدبس، وتأمين أسواق خارجية لتصريفها، والترويج لها، واعتماد العنب محصولاً أساسياً، ودعمه عبر صندوق الدعم الزراعي، بما يسهم في حماية المنتج، وبالتالي الفلاح، وأكد أن هناك العديد من المعوقات التي تواجه تلك الصناعة الهامة أبرزها عدم وجود خطوط إنتاج لتصنيع الزبيب أسوة بالدول الأخرى، وطالب صيموعة بدعم تلك الصناعة كونها صناعة هامة.

فوائد غذائية
وللزبيب فوائد غذائية وصحية كبيرة تجعل منه منتجاً صحياً بالدرجة الأولى، حيث يقول الدكتور “أكرم أبو عمر” الاختصاصي في التغذية: إن منتج الزبيب يشكّل مادة غذائية مهمة، ويتمتع بفوائد علاجية من أهمها أنه يحتفظ بأكثر خواص العنب الطازج، ويمد الجسم بسعرات حرارية، إلى جانب عشرات الفوائد الصحية الأخرى، حيث يعد مقوياً للمعدة والكبد والطحال، وفيه نفع للحفظ وتقوية الذاكرة، وله فائدة كبيرة في مساعدة الجسم على إزالة السموم منه، كما أنه مقاوم للميكروبات والفيروسات، ويوصف في الطب البديل لعلاج الروماتيزم، وأمراض الكبد، والمرارة، وضغط الدم المرتفع، وأيضاً يعتبر علاجاً للسعال الجاف، والوقاية من أمراض القلب، كما يعد مصدراً لعدد من المغذيات الضرورية للصحة مثل البوتاسيوم، والألياف، والحديد.

مشاكل تسويقية
إذاً لصناعة الزبيب مكانة اجتماعية واقتصادية هامة لدى أبناء محافظة السويداء، ولا شك أن حل مشاكل تلك الصناعة ليس بالأمر الصعب أو المستحيل عبر التوجه نحو التصنيع الآلي، خاصة في عملية التجفيف التي توفر الوقت والجهد، وتزيد من جودة المنتج، وذلك بوجود منهجية واضحة لتصريف الإنتاج، وتأمين أجهزة قياس الرطوبة في المنتج، بما يساهم في توحيد صفاته، ودرجة كثافته، وقد يكون من الضروري بدء تأسيس منطقة صناعية متطورة لإنتاج الزبيب، وتوفير خطوط إنتاج، ودعم تلك المنطقة لتكون نواة لتحويل تلك الصناعة من يدوية إلى آلية.

رفعت الديك