دراساتصحيفة البعث

لوم الصين لن يحلّ مشكلات الولايات المتحدة

ترجمة وإعداد: علاء العطار

بحلول يوم الجمعة الماضي، وصلت الإصابات في الولايات المتحدة إلى أكثر من 5 ملايين حالة مؤكدة بـ كوفيد 19، وأكثر من 163 ألف حالة وفاة، وكلاهما الأعلى في العالم. ولا يسع الناس في الولايات المتحدة وحول العالم إلا أن يتساءلوا عما حدث للولايات المتحدة وما سببه. لدى البيت الأبيض والجمهوريين إجابة واحدة على هذا السؤال: الذنب ذنب الصين. لكن لعبة إلقاء اللوم على الصين ليست أمراً مرغوباً، وإنما خطأ قاتل.

لطالما عدّت القوى السياسية في الولايات المتحدة الصين هدفاً سهلاً خلال الأزمة الصحية. في الواقع، أصبح إلقاء اللوم على الصين جزءاً من إستراتيجية حملة الحزب الجمهوري التي حظيت بتغطية إعلامية جيدة في عام الانتخابات.

يتهمّ بعض السياسيين الأمريكيين الصين بالتستّر على الوباء، وعدم مشاركة المعلومات الكافية في الوقت المناسب، وعدم الإبلاغ عن عدد الحالات. ويزعمون، سراً وعلانية، أن فيروس كورونا الجديد نشأ في مختبر في ووهان، حتى إنهم يرغبون في جعل الصين مسؤولة عن الخسائر التي تكبدتّها الولايات المتحدة بفعل الوباء. واتهم الرئيس الأمريكي منظمة الصحة العالمية بأنها “متمركزة حول الصين”، وسحب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية.

دحضت الصين كل هذه المزاعم، إذ أبلغ تشانغ جيكسيان عن الحالات الثلاث الأولى المشتبه بإصابتها بالتهاب رئوي مجهول السبب في الصين، وهو طبيب من مقاطعة خوبي. ثم سارعت مجموعة كبيرة من المهنيين من المراكز المحلية لمكافحة الأمراض والوقاية منها والمستشفيات، ومن هيئة الصحة الوطنية الصينية كذلك، سارعوا لدراسة مدى عدوى الفيروس وتقييم إمكاناته التدميرية. يمكن أن يُعزى هذا المستوى من التيقّظ المبكر والوعي والاستجابة السريعة لدى الخبراء الطبيين الصينيين، إلى حدّ ما، إلى تجاربهم في تفشي مرض الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) عام 2003 والدروس المستفادة بعد ذلك.

تحديثات منتظمة عن حالة الوباء

في الأسبوع الأول بعد اكتشاف المرض، بدأت الصين بإرسال تحديثات فورية إلى منظمة الصحة العالمية ودول أخرى، من ضمنها الولايات المتحدة. وقدّمت الصين بيانات موجزة للولايات المتحدة حول الوباء ومعلومات حول إجراءات الوقاية والسيطرة على الوباء، على أساس شبه يومي. كما تقدم منظمة الصحة العالمية بيانات موجزة وتحديثات متكررة بشأن تفشي المرض. واستناداً لمصادر إخبارية مختلفة، أقرّت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها بأنها علمت لأول مرة عن “مجموعة من 27 حالة من حالات الالتهاب الرئوي” غير المبررة في ووهان في وقت مبكر.

قامت الصين بإرسال تحديثات إلى منظمة الصحة العالمية بانتظام أيضاً حول الوضع الوبائي في البلاد، وأوفت بالتزاماتها بإخطار هيئة الصحة العالمية في إطار اللوائح الصحية الدولية، كما استضافت زيارة ميدانية لوفد من منظمة الصحة العالمية إلى ووهان في الفترة من 20 إلى 21 كانون الثاني، والبعثة المشتركة بين منظمة الصحة العالمية والصين بشأن فيروس كورونا في الفترة من 16 إلى 24 شباط، وكان اثنان من أعضاء البعثة من الولايات المتحدة.

الأساس المتين لاتخاذ القرارات الحكومية

أرست النتائج المكتشفة أساساً قوياً لاتخاذ القرارات الحكومية، ما أدى بدوره إلى اتخاذ تدابير صارمة لمكافحة الوباء على مستوى البلاد، والتي أثرت في مئات الملايين من الناس في الصين. كانت هذه الخطوة الجذرية وغير المسبوقة وحدها بمثابة رسالة قوية للعالم حول طبيعة وشدة فيروس كوفيد 19.

وأشاد ترامب في تغريدة له في 24 كانون الثاني بجهود الصين للسيطرة على انتشار الفيروس، وقال: “تعمل الصين جاهدة لاحتواء فيروس كورونا، وتقدّر الولايات المتحدة بشدة جهودهم وشفافيتهم”. منذ ذلك الحين وخلال أواخر كانون الثاني وشباط، أشاد ترامب مراراً بتعامل الصين مع تفشي المرض، واعترف بأن الصين “تقوم بعمل احترافي للغاية”، وكانت على اتصال بمنظمة الصحة العالمية ومركز السيطرة على الأمراض في الولايات المتحدة. ولكن عندما صعدت أعداد الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة إلى رأس القائمة العالمية، غيّر البيت الأبيض موقفه، وحوّل الوباء إلى معركة ضد الصين، ما أدى إلى تأجيج القومية من خلال التأكيد على حقيقة أن الفيروس اكتُشف لأول مرة في الصين.

روّج الجانب الأمريكي لمؤامرات دون تقديم أي دليل، وتجاهل الحجج المضادة التي أدلى بها كبار العلماء في جميع أنحاء العالم، من بينهم علماء أمريكيون. وبدأت الولايات المتحدة تشكّك في بيانات الصين كما لو أن عدداً أكبر بكثير من الإصابات والوفيات الصينية كان سيجعل الأرقام الأمريكية تبدو أجمل بعيون الناخبين الأمريكيين، وقادة الولايات المتحدة أقل عرضة للمساءلة عن الأعداد الكبيرة من الإصابات والوفيات. هذا هو المفتاح لفهم التحوّل في رواية البيت الأبيض من الاعتراف بشفافية الصين واحترافها في احتواء تفشي المرض إلى تحميل الصين مسؤولية مشكلات الولايات المتحدة.

فشل البيت الأبيض برؤية الصورة الأشمل

قال جيريمي كونينديك، وهو زميل سياسي بارز في مركز التنمية العالمية: “لقد أضاعوا ببساطة وقتاً لا يستطيعون تعويضه.. لا يمكنك استعادة ستة أسابيع ضاعت بسبب عماهم.. إلى حدّ إلقاء اللوم على شخص ما هنا وهناك.. إن اللوم يقع على الإدارة السيئة والفوضوية للبيت الأبيض والفشل في رؤية الصورة الأشمل”.

وتشير تقارير إخبارية عديدة عن مقابلات مع مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، ورسائل بريد إلكتروني داخلية ومذكرات وغيرها من الأدلة التي تمّ اكتشافها مؤخراً، إلى أن البيت الأبيض كان يتلقى باستمرار تحذيراً من وباء قادم وعواقبه المحتملة، لكنه اختار الاستهانة بخطورة الفيروس، حتى إن ترامب غرد قائلاً: “إننا نسيطر عليه سيطرة كاملة”، و”الولايات المتحدة في حالة جيدة”!.

إضافة إلى هذه الإنذارات المبكرة التي تجاهلتها الإدارة الأمريكية، ساهمت الأخطاء الكبيرة الأخرى والفرص الضائعة على المستوى الفيدرالي أيضاً في ارتفاع الحالات، ولو تتبعت الولايات المتحدة أقرب امتدادٍ للفيروس وحدّدت النقاط الساخنة المستترة لتنقل الفيروس في المجتمع الأهلي، لربما كان الحجر الصحي المحلي قادراً على حصر المرض.

هناك بعض الأسباب الجذرية للإهمال والتقاعس عن العمل والثغرات في التعامل مع الوباء. أولاً، انخرط البيت الأبيض في لعبة شدّ الحبل مع العلماء والخبراء بشأن سياسة مكافحة الوباء، كما ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية والدولية أن الإدارة الأمريكية تتجاهل العلم في المعركة ضد الفيروس.

خطأ جسيم في السياسة الإستراتيجية

عبر جعل الصين كبش فداء لجميع أمراضها، ستضعف الولايات المتحدة استجابتها لكوفيد 19 وتضرّ بالتعاون عبر الحدود في مكافحة الوباء، ما يؤدي إلى خسائر في الأرواح. على سبيل المثال، يميل بعض الأمريكيين إلى النظر إلى تفشي الفيروس التاجي في الصين كنتيجة لنظامها السياسي الفريد، وينظر البيت الأبيض والعديد من مؤيديه إلى تفاعل الصين وتعاونها مع الدول الأخرى من خلال منظور تنافس القوى العظمى.

لقد أدى هذا المنطق الذي تحركه الأيديولوجية إلى تشويش فهم بعض الأمريكيين وحكمهم على كوفيد 19، وقدرتهم على التصرف بما يتناسب مع شدة وطبيعة الوباء.

وعندما تتمّ شيطنة الصين واعتبارها غير جديرة بالثقة، يميل قادة الرأي في الولايات المتحدة إلى معاملة الصين على أنها “الآخر”، ويعتقدون أنه من غير اللائق سياسياً مناقشة فعالية استجابة الصين لتفشي المرض. قد يتحدثون عن كيفية استجابة كوريا واليابان وسنغافورة لتفشي المرض، دون ذكر الصين، التي تضمّ عدداً أكبر بكثير من السكان، وقد تقدّم توصيات للولايات المتحدة بالقدر نفسه من الأهمية، إن لم يكن أكثر.

نحتاج استجابة جماعية منسقة

فلنتخيل النتائج المهمّة للعالم إذا تعاونت الولايات المتحدة والصين مع الدول الأخرى للعمل على استجابة جماعية ومنسقة لضمان الإمدادات العابرة للحدود من المنتجات الطبية والغذائية، والتعاون في البحث حول العلاج واللقاحات، فضلاً عن توفير حزم الانتعاش الاقتصادي.

وكما جادل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر مؤخراً، ينبغي على قادة اليوم اختيار مسار التعاون الذي سيؤدي إلى تحسين المرونة الدولية. يُظهر التاريخ أن الولايات المتحدة والصين، على الرغم من خلافاتهما المستمرة، قد عملتا معاً بشأن القضايا العالمية الكبرى، مثل منع انتشار الأسلحة النووية، ومكافحة الإرهاب، وتغيّر المناخ، وأمن الطاقة، والأزمة المالية العالمية لعام 2008، وتفشي فيروس إيبولا.

يجب أن يكون احتواء جائحة الفيروس التاجي نقطة تجمع للولايات المتحدة والصين ودول العالم أجمع لا فرقة وصراعاً. هناك ألف سبب يدعو البلدين للشروع في طريق التعاون، وليس هنالك أي سبب يدعو لأن تكون العلاقات الثنائية متوترة.

بادئ ذي بدء، على الولايات المتحدة أن توقف لعبة إلقاء اللوم.