تحقيقاتصحيفة البعث

كورونا واختلاطاته عند الأطفال.. داء كاوزاكي مثالاً !!

أثار قرار افتتاح المدارس جملةً من التساؤلات والاستفسارات حول مستوى الاستعداد لوجستياً ونفسياً وصحياً لاستقبال الأطفال، وما هي الخطط البديلة في حال وجود حالات طارئة، وهذا أمر غير مستبعد على كل حال، خاصة مع انتشار الوباء والارتفاع في أعداد المصابين، بمن فيهم الأطفال الذين قد يتعرضون لاختلاطات من الضروري تسليط الضوء عليها من باب التوعية والتثقيف الصحي للأهالي بحيث يتم تدارك ما أمكن من أخطاء قد تنتج بسبب الإهمال أو الجهل الصحي، ولدحض بعض الآراء التي تتحدث عن استبعاد إصابة الأطفال بوباء كورونا، حيث سجلت بعض المشافي الكبرى كمشفيي الأطفال ودمشق “المجتهد” إصابات لأطفال بداء كاوزاكي الذي يعتبر مرضا نادر الحدوث، ولكن ومع وجود وباء كورونا عاد للظهور بأعدادٍ أكثر من المعتاد، مع التأكيد على علاج وشفاء كل الحالات التي ظهرت.

الدكتور قصي نصر الزير، استشاري بأمراض الأطفال والرضع رئيس قسم الأطفال في مشفى المجتهد، أكد على ضرورة التعاطي مع الموضوع بكل هدوء وحكمة، مشددا على أنه مع افتتاح المدارس “لأنه حق وصادر بقرار حكومي، ولكن يتوجب على وزارة التربية أن تجهز المدارس بشكل منطقي ببنية صحيحة للحفاظ على صحة الأطفال من الأمراض البيئية الوبائية والطفيليات، حيث لا يقتصر الأمر على وباء كورونا فقط”, مضيفاً: القرار الحكومي بافتتاح المدارس حق حكومي ولكن التلاعب بالإعلام وبالتصريحات الصادرة عن وزارة التربية بطريقة خاطئة يجب أن يحاسب عليه البعض في الإعلام والتربية، لأنه لا يجوز على سبيل المثال أن يُظهر الطرفان أن إحدى المدارس محققة لشرط التباعد الاجتماعي، وذلك غير موجود حقيقة، والمواطن لن يصدق هذه الصورة، ما سينتج عنها حكماً تباعد بين “المواطن والحكومة” سواء لجهة الإعلام أو للتربية التي تتصرف بشكل خاطئ، لأننا ندرك عدم وجود مثل تلك المدارس.. ربما قد نرى مثل هذا التباعد في بعض المدارس الخاصة ذات الأقساط المرتفعة، وهي فقط لفئة معينة، لأنها تمتلك بنية صحية موجودة إلى حدٍ ما، والأطفال فيها قد يحصلون على وقاية معينة، أما المدارس الحكومية سواء في الأرياف والمدن خارج دمشق، أو داخلها، فأعداد الطلاب تزيد عن الحد وهي غير محققة لشروط التباعد ما سيؤدي إلى ارتفاع احتمالات العدوى، وهنا أشار الدكتور الزير إلى الرسائل الخاطئة التي يساعد البعض في الإعلام على نشرها والتي حكماً لن يصدقها المواطن.

الوبائيات
يوضح الدكتور الزير أننا عانينا في السنوات السابقة من انفلونزات مبهمة أو شديدة، وهذا العام ظهر فيروس كورونا، واليوم نرى دراسات كثيرة مختلفة بهذا الخصوص ولكن بحكمة الطب يجب أن لا نأخذ بها، فبعض الدراسات تقول أن الفيروس لا يؤثر على الأطفال، أو أن تأثيره خفيف، أما الحقيقة فهي أن الفيروس لا يفرق بين صغير أو كبير، وهو يؤثر على الجميع.. لكن، ولأن الأعراض السريرية كانت مبهمة وغير معروفة في البداية، واجهنا حالات لأطفال، سواء رشح عادي أو غيره، ما أدى لإصابات بين أطباء الأطفال سجلت عددا من الوفيات لأن الطبيب يشكل الجبهة الأولى في مواجهة المرض، ومع تغير سلالات الفيروس المتتالية أصيب بعض الأطباء أكثر من مرة، وربما هذا ما أضعف جهاز المناعة عند بعض الأطباء، وليس بسبب الإهمال، وإنما مجابهتهم للمرض هي من عرضتهم للإصابة، متابعاً حديثه: عند الأطفال تظهر إصابات وربما قد لا تظهر الأعراض، كما هو الحال عند بعض الكبار، حيث واجهنا بعض الحالات كالتهاب الدماغ التي شخصت في المشافي بأعراض سريرية مبهمة وعدم تحسن الحالة رغم تلقي العلاج لتظهر النتيجة إيجابية بعد أخذ المسحة، وأعراض قد تكون سريرية قلبية أو صدرية أو هضمية أو مناعية كداء كاوزاكي الناتج عن اضطرابات مناعية بسبب إصابات فيروسية والتي يتم علاجها بشكل فوري نتيجة الخبرة التي نمتلكها في مشافينا، حيث أننا نشك بالمرض ونعالجه قبل أن تأتي نتيجة المسحة، فقد تم علاج عدة مرضى في مشفيي المجتهد والأطفال، لذلك يمكننا أن نقول أن المرض يظهر بأشكال سريرية مختلفة، وداء كاوزاكي مرض مناعي يمكن أن يظهر مع الإنتانات الفيروسية حيث يظهر بأعراض مناعية مبهمة، وهذا ما يفسر ظهوره مع كورونا لأن كورونا يحرض الاضطراب المناعي ليظهر كاوازاكي، لكنه غير مرتبط بـ كورونا فقط، وإنما بأمراض أخرى، وهذا ما يفسر أنه كان نادر الحدوث سابقاً، لأن الأمراض الفيروسية لم تكن منتشرة بكثرة كما هو اليوم، و لأن الإنتانات الفيروسية والمعوية الشديدة كانت محدودة، ولكننا اليوم مع كورونا أصبحنا نشخص داء كاوزاكي أكثر.

كاوزاكي..
الدكتور عصام أنجق، أستاذ في كلية الطب في جامعة دمشق، رئيس الشعبة الإنتانية في مشفى الأطفال، عضو المجلس الاستشاري في وزارة الصحة، تحدث بالتفصيل عن مرض كاوازاكي الذي تم اكتشافه سنة 1986 من قبل عالم ياباني يدعى كاوازاكي، ليتبين لاحقاً أنه موجود في كثير من الدول، حيث ظهر في سورية في تسعينيات القرن الماضي، وبدأ تشخيص عدد من الحالات. وعن أعراضه، وضح الدكتور عصام أنها تتمثل بارتفاع درجة حرارة مدة خمسة أيام فما فوق، والحرارة غير مفسرة بأي مرض إنتاني آخر، وقد يظهر مع الحرارة طفح جلدي و تورم في أطراف اليدين والقدمين، وقد يحدث تقشر فيما بعد، وتشقق بالشفتين، وتظهر على اللسان حبيبات بشكل حبة الفريز، واحمرار بملتحمة العين، وأعراض أخرى.. وسببه غير معروف حيث اتهمت مجموعة من العوامل الجرثومية والفيروسية، ولكن قبل كورونا لم يحدد أي عامل ممرض كسبب، ومع بداية ظهور كورونا بدأت تتشخص حالات لإصابات عند الأطفال بنفس أعراض مرض كاوازكي لكن مع وجود اختبارات إيجابية لفيروس كورونا، وهذه الحالات شخصت في عدة دول خلال الأشهر الأولى من هذا العام ، وقد تم تشخيص عدة حالات في مشفى الأطفال وفي المجتهد، إضافةً إلى عدد من المشافي، والحالات التي حُولت من عيادات للعلاج تزامناً مع انتشار كورونا في سورية، خاصة في الشهرين الأخيرين، وهذه الحالات كانت الإصابات فيها على شكل داء كاوزاكي مرافق لاختبارات إيجابية لكورونا لعدد من الأطفال، مشيراً إلى أن عدداً من الأطفال كان قد أصيب بـ كورونا ولكن لم يصب بداء كاوازكي، أي ليس كل طفل يصاب بكورونا قد يصاب بداء كاوزاكي، مختتماً حديثه أن نسبة الشفاء منه هي مئة في المئة في حال تم التشخيص والعلاج مبكراً.

التشخيص 
تشخيص المرض صعب – حسب ما أوضح الدكتور عصام – لعدم وجود فحص مخبري واضح ومحدد، لذلك لا يوجد اختبار محدد لهذا المرض، وتشخيصه يعتمد على خبرة الطبيب وخاصة أطباء الأطفال، أضف إلى ذلك مجموعة الأعراض التي ذكرت سابقاً، مشيراً إلى أنه لا بد من التنويه إلى ملاحظة هامة جداً، وهي أن ارتفاع درجة الحرارة لعدة أيام عند المريض مترافقة مع اندفاعات جلدية يوجه إلى أن هناك إصابة بهذا المرض، مضيفاً أن هذا المرض يتشابه مع أمراض إنتانية أخرى كالحصبة والحمى القرمزية مترافق مع طفح جلدي يؤدي إلى جلد خشن يشبه جلد الأوز.

دور أطباء الأطفال 
يؤكد الدكتور عصام على دور الأطباء في اكتشاف المرض ما يساعد حتماً على الشفاء منه، مضيفاً: تتراوح ذروة إصابة الأطفال بهذا المرض بين سنة وخمس سنوات ولكن قد يصيب حتى عشر سنوات، ولأن العامل الممرض غير معروف لا يمكن أن نعلم إذا كان معديا أم لا، مع عدم تسجيل حالات لأطفال مصابين في نفس العائلة، لذلك لا نعتبره معديا كون السبب الأساسي لحدوثه غير معروف ، ووجود زيادة في الإصابات بفيروس كورونا ساعد على زيادة ظهور هذه الحالات حيث كان عدد الحالات وعلى مدار العام كان لداء كاوزاكي وبشكل متقطع سنوياً بين عشر إلى 15 حالة، ولكن وخلال شهر واحد شُخِصت عشر حالات.
وبدوره، يشدد الدكتور قصي الزير على أنه لا داعي للخوف وعلينا أن نتعامل مع الحالة بحكمة وعلى أنها حالة كورونا مع مراقبة لظهور أعراض كطفح جلدي مع احمرار وأعراض فموية وارتفاع بالحرارة ومع وجود وباء كورونا يجب أن نشك بمرض كاوزاكي وأن يتم تحويل المريض للمشافي كالمجتهد أو الأطفال ليتعالج بالطريقة العلمية والأكاديمية لنحافظ على صحة الطفل، وهنا يؤكد الدكتور قصي الزير أن كل الحالات التي شخصت لداء كاوزاكي تم معالجتها وشفيت، و في النهاية لا بد أن نؤكد أنه مرض نادر وعلاجه متوفر، وليس كل كاوزاكي هو كورونا، ولكن كورونا قد يحدث كاوزاكي حيث أنه معروف جيداً في تاريخ الطب، مختتماً بأنه يتوجب على وزارة التربية أن تراعي الوضع الصحي لبعض الأطفال الذين يعانون من الأمراض المناعية لأن الخوف الأكبر عليهم، ودور وزارة التربية هنا يتمثل بنشر الثقافة التربوية في المدرسة والمنزل والتعاون بين جميع الأطراف للتخفيف من هذا الوباء (كورونا)، و من اختلاطاته.

ختاماً إذا لم يتم التعاون والاعتراف بالأخطاء وعدم المكابرة والتستر على ظهور إصابات في المدارس، فستكون هناك نتائج وخيمة، لأن حدوث ذلك في المدارس – لا سمح الله – لا يعني تقصير جهةٍ ما، فالأمر واقع لا يمكن تلافيه، ولكن من الممكن السيطرة عليه إلى حدٍ ما.

لينا عدرة