دراساتصحيفة البعث

هل تحوّلت مالي إلى “أفغانستان” فرنسا؟

ترجمة وإعداد: إبراهيم أحمد

 عن لونوفيل اوبسرفاتور

في عام 2013 تدخلت فرنسا عسكرياً في مالي، التي اهتزت مؤخراً بسبب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس إبراهيم بو بكر كيتا. في وقت يسيطر فيه الإرهابيون على جزء من أراضي هذا البلد الذي يقوّضه الفساد. واليوم، وبعد مرور سبع سنوات على التدخل العسكري الفرنسي، ها هم الانقلابيون يطيحون بالرئيس إبراهيم بو بكر كيتا، فيما لا يزال الإرهابيون نشيطين، كما يبقى الفساد سائداً. وفي هذا الصدد تنظر باريس بقلق إلى ما يجري في دولة مالي، فقد أدانت الخارجية الفرنسية هذا “الحدث الخطير بأقصى درجات الحزم” رغم أن القوات المسلحة المالية لم تخرج عن حذرها شمال البلاد هذه المرة، كما أفاد مصدر مطلع.

وفي أعقاب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المالي حرصت عملية “برخان”، التي تقودها القوات الفرنسية في هذا البلد لمحاربة “الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل”، على “عدم توقف العمليات”. وذكرت بأن القتال مستمر “حتى لا يعتقد الارهابيون بأنهم يستطيعون الاستفادة من حالة عدم الاستقرار السائدة في باماكو، كما حدث عام 2012”.

وعلى الجانب العسكري، أكدت هيئة الأركان العامة الفرنسية أن الأمر “يتعلق بالدرجة الأولى بالسياسة والدبلوماسية” مشيرة إلى أن عملية “برخان” لن تنخرط في السياسة الداخلية في مالي، مع التذكير بأنها تراقب الوضع عن كثب. غير أن الضربات التي يمكن أن تلحق بالفرنسيين هناك قد تكون موجعة للغاية، لأن الوجود الفرنسي غير مرض عنه وقد تم انتقاده مراراً، مع تنامي المشاعر المعادية للفرنسيين التي يغذيها الشك في أن المستعمر السابق يتدخل في شؤون البلاد.

ويهدد الفشل السياسي في مالي بإفشال المشاركة العسكرية الدولية، حيث تحاول فرنسا منذ عدة أشهر الحصول على دعم متزايد من شركائها الأوروبيين من خلال إنشاء فرقة عمل “تاكوبا” المكونة من القوات الخاصة الأوروبية، وبالفعل وصلت أول وحدة أستونية في تموز الماضي، ومن المتوقع أن تتبعها القوات التشيكية ثم السويدية. غير أن الوضع السياسي المجهول في باماكو قد يردع أي دعم إضافي، وقد يكون انسحاب محاوري ماكرون أسرع من قبولهم الانخراط في الساحل، والذي أخذ وقتاً طويلاً، وعليه فإن مستقبل مالي يبدو من دون حل على المدى المتوسط.

صحيح أن  التدخل الفرنسي في مالي، قد احتوى التهديد “الإرهابي” لكنه لم يقض عليه، وبالتالي لا يوجد مخرج من الأزمة الحالية حتى الآن. فبعد سبع سنوات من التدخل الفرنسي بطلب من النظام المالي، والذي جنّب سقوط العاصمة باماكو في أيدي التكفيريين، أصبح الرئيس المعزول رمزاً لفشل فرنسا في مالي بعد أن كان من المقرر أن يكون رمزاً للنصر الفرنسي في هذا البلد. فقد أظهر كيتا أنه غير قادر على وضع بلاده على قدميها من جديد. حيث لم تتمكن الدولة المالية حتى الآن من استعادة السيطرة على شمال البلاد، ولا يزال الارهابيون ينشطون هناك ويهاجمون الآن وسط البلاد والدول المجاورة، مثل بوركينا فاسو والنيجر، التي اغتيل فيها مؤخراً ستة من عمال الإغاثة الفرنسيين ورفاقهم، إضافة لمقتل آخرين، وقد فشلت عملية إعادة بناء الجيش المالي الذي كان من المقرر أن يتولى المسؤولية بدل خمسة آلاف جندي فرنسي من قوة “برخان” التي خلفت عملية سرفال، وقوات حفظ السلام الأمنية البالغ عددها 13 ألف جندي من مينوسما، وهي عملية الأمم المتحدة المنتشرة في مالي، وذلك على الرغم من التدريب الذي قدمته بعثة الاتحاد الأوروبي لحوالي 14 ألف جندي مالي. ومليارات المساعدات التنموية (1.25 مليار يورو في عام 2018 وحده)، التي قدّمت لتساعد في إخراج البلاد من حالة التخلف الغارقة فيها، تم اختلاس معظمها أو إساءة استخدامها، ولا تزال السلطة في العاصمة باماكو هشة وفاسدة أكثر من أي وقت مضى، وقد أسقطها انقلاب جديد.

اليوم، تقع فرنسا في حلقة مفرغة تذكرنا بالفخ الذي سقطت فيه ذات يوم الولايات المتحدة في أفغانستان، يقول الدبلوماسي الفرنسي السابق لوران بيجوت: “إنه نفس السيناريو كما في أفغانستان.. نجد أنفسنا يُنظر إلينا على أننا داعمون عسكريون لنظام فاسد.. هذا يغذي المشاعر المعادية للفرنسيين ويعطي الحجج لأعدائنا للتجنيد من بين السكان. ونتيجة لذلك، يزداد انعدام الأمن”.

باريس تعتبر نفسها مذنبة لعدم رغبتها في رؤية أن صعود الإرهاب في مالي كان قبل كل شيء أحد أعراض الدولة الفاشلة. والسؤال المطروح هو: “هل أضحت مالي أفغانستان فرنسا، وهل ستضطر فرنسا لإعادة النظر في إستراتيجيتها”؟.