دراساتصحيفة البعث

كيف ستبدو حروب بايدن؟

إعداد: علاء العطار

تعمل قاعدة ترامب بقوة على ترويج الرواية القائلة بأن الرئيس الأمريكي السابق لم يبدأ أي حروب جديدة، وفي حين أنها رواية صحيحة من الناحية الفنية، إلا أنها تتجاهل أعماله القاتلة كاستخدام حق النقض ضد مشروع قانون إنقاذ اليمن من الإبادة الجماعية التي تدعمها الولايات المتحدة، وقطع المساعدات عن شعبها، وموت عشرات الآلاف من الفنزويليين جراء عقوبات التجويع، وتصعيد تهديدات حرب باردة جديدة على روسيا، والانخراط في سياسة حافة الهاوية المجنونة مع إيران، ما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد القنابل التي أسقطتها الإدارة السابقة يومياً وأسفرت عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين، وتخفيض المساءلة العسكرية عن تلك الضربات الجوية.

ربما لم يبدأ ترامب أي “حروب جديدة”، لكنه أبقى الحروب القديمة مستمرة وأذكى نار بعضها، ومجرد أنك لا تبدأ أي حروب جديدة لا يعني أنك لست من دعاة الحرب. وبدل الارتداد نحو “حروب جديدة” والغزوات البرية في عهد بوش، يرجح أن تبدو الدعوة إلى الحرب التي سنشهدها من إدارة بايدن على الشكل الآتي: مزيد من عقوبات التجويع، مزيد من الحروب بالوكالة، مزيد من صراعات الحرب الباردة، مزيد من الانقلابات، مزيد من العمليات الخاصة، مزيد من ضربات الطائرات المسيّرة، والأبرز دعوة المنشقين من الأنظمة المناوئة لأمريكا لتنظيم أنفسهم وإعادة توظيفهم ضمن “الثورات الملوّنة” بدعم أمريكي لإحداث تغيير داخل الأنظمة التابعة لها.

ومن المحتمل أن يضطر بايدن إلى شنّ حرب جديدة، فالإمبراطورية الأمريكية في حال يُرثى لها في الوقت الحالي، وقد تتضح حاجتها إلى إجراء مناورة يائسة للغاية للحفاظ على هيمنتها العالمية، لكن هذه ليست الطريقة الفضلى في الآونة الأخيرة، لذلك قد يكون تصدير الأزمات الداخلية الأمريكية للخارج، وتعزيز التحالفات الجيوسياسية مع الناتو، هما أبرز الخطوات ضمن هذه الحروب.

تفضّل الإمبراطورية الأمريكية في الوقت الحاضر ضخ مواردها في أعمال عنف أقل وضوحاً، مثل حرب الحصار الاقتصادي وتسليح الميليشيات بالوكالة، إذ جعل غزو العراق الأمريكيين كارهين جداً للحرب التقليدية، حتى إن شنّ أي منها سيزيد من خطر قيام حركة مناهضة للحرب في الولايات المتحدة، الأمر الذي سيُنذر بكارثة تحلّ بالإمبراطورية. ويبدو من الواضح أن هذه ستكون الطريقة الفضلى لإدارة بايدن لإثارة الحرب إذا أعطيت الخيار، فضلاً عن تغيّر موازين القوى العسكرية الذي شهده النظام الدولي بعودة روسيا وامتلاك دول صاعدة قدرات دفاعية متقدمة مثل الصين وإيران.

ويدعو وزير الخارجية الأمريكي القادم توني بلينكين الآن إلى استبدال نموذج بوش القديم للحرب الشاملة بـ”عمليات مستدامة وسرية ضيّقة النطاق، ربما بقيادة القوات الخاصة، لدعم الجهات الفاعلة المحلية”. وحثّ مرشح بايدن لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، على توخي الحذر في الفترة التي سبقت غزو العراق برياً وأعرب لاحقاً عن أسفه لأنه لم يقاومه بقوة أكبر. وبدل اختيار ميشيل فلورنوي السيكوباتية المتعطّشة للدماء لمنصب وزير الدفاع كما توقع كثيرون، وقع اختيار بايدن على عضو مجلس إدارة شركة “ريثيون” لويد أوستن الثالث.

ولا يزالُ معظم مجتمع مناهضي الحرب في أمريكا عالقاً في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكن آلة الحرب الغربية لم تعد تقتل بهذه الطريقة، لذا فهم بحاجة إلى تعديل آرائهم إذا أرادوا معالجة القتل الفعلي كما يظهر على أرض الواقع، وإن واصلت البحث عن غزوات برية عفا عليها الزمن، سيفوتك تماماً الشكل الجديد للتحريض على الحروب.

لقد فات مؤيدي ترامب الذين يزعمون معارضة الحرب هذا الأمر تماماً طوال فترة رئاسته، وحصروا مفهوم “الحرب” في أكثر أشكاله المتكرّرة الصارخة، بغية أن يشعروا بأن رئيسهم كان صانع سلام وليس مثير حرب.

أحد التطورات الإيجابية القليلة التي يمكن أن تنشأ عن إدارة بايدن هو مساعدة هؤلاء الأشخاص على إدراك أن أعمال العنف مثل عقوبات التجويع ما هي إلا حرب، ذلك أنهم سيعارضون بايدن، وهذه هي الطريقة التي ستظهر بها هذه الإدارة الجديدة الكثير من أعمال القتل.

تحب الطبقة السياسية/ الإعلامية جعل الجميع يركزون على الاختلافات بين كل رئيس وسلفه المباشر، ولكن بإمكان الأمريكيين تعلّم دروس كثيرة من خلال النظر إلى أوجه التشابه بينهما، إذ ستبدو الدعوة إلى الحرب من جانب بايدن مشابهة إلى حدّ كبير لدعوة ترامب، على الرغم من كل الطاقة التي تبذل في تصويرهما كشخصين مختلفين تماماً، فلا خلاف بينهما إلا أن كل واحدة توجّه في بعض الاتجاهات المختلفة، ويعبّر عنها بطرق مختلفة قليلاً.

بمجرد أن ترى ما وراء مسرحية الدمى الحزبية، ترى إمبراطورية أوليغارشية تواصل الأجندات القاتلة نفسها التي تضعها إدارة تلو أخرى، وما هذه الإدارات المتعاقبة سوى ألعوبة في أيدي الأوليغارشية!.