ثقافةصحيفة البعث

الفن التشكيلي في سورية.. جيل الريادة الأول

صنّفَ كتاب “ذاكرة الفن التشكيلي السوري” الصادر عن وزارة الثقافة 2005 للكاتب طاهر البني الحركة التشكيلية السورية إلى ثلاث مراحل، تبعاً للاتجاهات الفنية التي سلكتها، والإنتاج الفني الذي قدّمته، في المراحل التي لا يمكن حصرها في ظروف تاريخية أو سياسية محدّدة، إذ إنها لم تأتِ وليدة الظروف وحسب، بل جاءت نتيجة تطور الوعي الثقافي والنمو الفني الذي خضعت له هذه الحركة.

وهذه المراحل هي مرحلة نشوء الاهتمام بالمذاهب الفنية الغربية، الكلاسيكية والرومانسية والواقعية والانطباعية، وتحتلّ هذه المرحلة النصف الأول من القرن العشرين. والمرحلة الثانية التي أخذ فيها الفنانون يسعون للتحرّر من أسر الاتجاهات الفنية التقليدية، ويتطلعون إلى الصيغ المستحدثة كالتعبيرية والتكعيبية والسريالية والتجريدية، إضافة إلى الصيغ التي تستلهم التراث الفني المحلي، وتمتد هذه المرحلة منذ مطلع الخمسينيات وحتى مطلع السبعينيات. والمرحلة الثالثة، وهي التي نضجت فيها بعض التجارب السابقة، ونشأت فيها اتجاهات جديدة تمتلك خصوصيتها، وتشترك مع التجارب المعاصرة لها في حداثة لغتها، وتطور أدواتها، وتشمل الربع الأخير من القرن العشرين. ولكلّ مرحلة من تلك المراحل الثلاث روادها الذين تناولهم الكتاب بالتفصيل.

هذا البحث الغنيّ والمهمّ كان موضوع محاضرة للدكتور نزيه بدور رئيس فرع جمعية العاديات بحمص، ألقاها في نادي رابطة الخريجين الجامعيين بحمص واستند فيها إلى مصدرين آخرين إلى جانب كتاب “ذاكرة الفن التشكيلي” بأجزائه الثلاثة، وهما كتاب “عشرون فناناً من سورية” لطارق الشريف، و”الفن التشكيلي في سورية” للفنان عفيف بهنسي، واقتصر الحديث في محاضرته على جيل الرواد المؤسّس الأول والثاني، استهلها باستعراض تاريخي سريع عن الفن في سورية خلال الألف الأول قبل الميلاد في الممالك الآرامية وصولاً إلى عصر الدولة الإسلامية، ومنها فن التصوير الجداري (الفريسك)، والفسيفساء، وفن النحت، والفن الأيقوني إلى أن يصل إلى مقدمات الصحوة الحداثية التي بدأت في القرن الثامن عشر في بلاد الشام بفعل تأثير الغرب.

تميّزت المحاضرة بالانتقائية العشوائية والتكرار والخلط في التصنيف المرحلي للفنانين، حيث يبدأ بالحديث عن المدارس الثلاث الأساسية الواقعية والانطباعية والاستشراق الذي بدأ مع حروب الفرنجة على المشرق العربي، وتعزز لاحقاً مع الاحتلال الغربي للمنطقة العربية، وتأثر جيل الرواد الأول بالاستشراق، رغم أن التراث كان ملهمهم الأول.

يعتبر بدور أن الفنان توفيق طارق من أهم فناني جيل الرواد المؤسّس، وينتقي معه ميشيل كرشة وسعيد تحسين، وعبد الوهاب أبو السعود، وصبحي شعيب وأنور علي الأرناؤوط، وخالد معاذ ورشاد قصيباتي، لكنه يركز على ثلاثة فقط هم توفيق طارق الدمشقي المولد الذي يعتبره رائد الفن التشكيلي السوري، درس الفن في باريس، وميشيل كرشة الذي درس في مدرسة الفنون الجميلة العليا في باريس ومدرسة آستين للطباعة والحفر، امتاز بأسلوبه الانطباعي، ويعتبر رائد هذا الاتجاه في سورية، وصبحي شعيب الذي يعتبر من رواد الواقعية النقدية في الفن التشكيلي، وحسب عفيف بهنسي فإنه في عام 1930 كان هناك ثلاثة فنانين يستحقون تسمية فنان وهم: توفيق طارق، وغالب سالم، وميشيل كرشة.

الجيل الثاني من جيل الأوائل هو من صنع هوية الفن التشكيلي السوري الثري وانفتاحه على مفاهيم الفن في عصره، تميّز هذا الجيل بالعمق المعرفي والمواقف الإنسانية والثقافية من الحياة، وخير من بقي منهم على قيد الحياة الياس الزيات الذي درس التصوير الزيتي في بلغاريا، ومارس هذا الفن عبر عدة أساليب منها الواقعية والتعبيرية والتجريد، واستقر في أسلوب تعبيري يستلهم الفن الأيقوني عبر موضوعات بيئية وملحمية، كما يعتبر فاتح المدرس الأب الروحي للحداثة التجريدية التي مهّدت الدرب لدخول أساليب الفن الحديث للمشهد الفني السوري عبّر عنها في لوحته المشهورة “كفر جنة”.

ويصنّف المحاضر الفنان نصير شورى ضمن فناني المرحلة الثانية، رغم أن كتاب “ذاكرة الفن التشكيلي” يدرجه ضمن معجم فناني المرحلة الأولى، هو خريج كلية الفنون في القاهرة سنة 1947، صوّر بالألوان الزيتية والمائية مشاهد من الطبيعة والريف في غوطة دمشق ووادي بردى بأسلوب انطباعي، انعطف للتصوير التجريدي، قبل أن يبتكر أسلوباً واقعياً جديداً تتألف الأشكال فيه على نحو هندسي محافظاً على نوتة الشاعرية في الألوان. ومن رواد هذه المرحلة أيضاً: محمود حماد، ولؤي كيالي، ونذير نبعة، وأدهم إسماعيل، ولبيب ارسلان، ونعيم إسماعيل.. وآخرون.

آصف إبراهيم