ثقافةصحيفة البعث

بليغ حمدي.. النَّغم البَليغ وسيد درويش العصر

تستعدّ الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله لإحياء أمسية موسيقية غنائية بعنوان “النغم البليغ” على مسرح دار الأوبرا غداً الخميس بمشاركة الفنانين أليسار السعيد، لبنى نفاع، ريان جريرة، سيلفي سليمان، وتحيّي من خلالها الموسيقار المصري الراحل بليغ حمدي الذي وصِفَ بإجماع النقاد بأنه أفضل من أنجبت الموسيقا العربية، وقد وصف الموسيقار محمد عبد الوهاب ألحانه بأنها “إلهام من السماء” لموهبته الاستثنائية وخياله شديد الخصوبة.

من الغناء إلى التلحين
ووصفه الشاعر كامل الشناوي بأنه أمل مصر في الموسيقا، ولُقّب بـ”سيد درويش العصر” و”عبقري الألحان”، وكان لقبه الأشهر “ملك الموسيقا” و”بلبل” وهو اللقب الذي كان يُعرف به بين معارفه ومحبيه في الوسط الفني وخارجه، وعُرف أيضاً بـ”ابن النيل” وهو الاسم المستعار الذي كان يذيّل به الأغاني التي كان يكتبها، وقد جاء في سيرته أنه تعلّم العزف على آلة العود وهو في عمر التاسعة، وبعد التخرّج من معهد فؤاد الأول للموسيقا احترف الغناء وسجّل للإذاعة المصرية أربع أغنيات ولحَّن أغنيتين للفنانة فايدة كامل، تبعهما بـ”ما تحبنيش بالشكل دا” للفنانة فايزة أحمد، حينها أدرك أن موهبته الحقيقية تكمن في التلحين فترك الغناء ومضى ملحناً. وفي أواسط الخمسينيات استطاع أن يفرض نفسه في عالم مليء بالملحنين الكبار، وقد شكَّل تعاونه مع أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ووردة الجزائرية ثلاث محطات كبيرة في مسيرته الموسيقية.

كلثوميات حمدي
مع بداية الستينيات بدأت أم كلثوم تبحث عن التجديد، فطلبت من محمد فوزي أن يلحّن لها إلا أنه رشّح لها بليغ حمدي قائلاً: “حتتعرفي على ملحن يجنن.. مصر حتغني ألحانه 60 سنة لقدام”، وفي جلسة خاصة استمعت إلى تلحينه لمقطع من أغنية “حب إيه” للشاعر الغنائي عبد الوهاب محمد، فطلبت منه الانتهاء منها بسرعة لتغنيها لأول مرة في الخامس من شهر تشرين الأول عام 1960 وكان حمدي حينها لم يبلغ الثلاثين من عمره، في الوقت الذي كان فيه التعاون مع أم كلثوم حلم كل المبدعين، أتبعها بأغنية “أنساك” كلمات مأمون الشناوي والتي كان من المقرّر أن يقوم محمد فوزي بتلحينها، إلا أن روعة بليغ حمدي في تلحينها جعلت فوزي يقدّمها لأم كلثوم وهو يقول: “بليغ قام بتلحينها أفضل مني” لتتوالى بعد ذلك ألحانه معها والتي وصلت إلى أحد عشر لحناً، نذكر منها: “أنا وأنت ظلمنا الحب، كل ليلة وكل يوم، سيرة الحب، بعيد عنك، ألف ليلة وليلة، فات الميعاد، الحب كله، حكم علينا الهوى”، والأخيرة كانت آخر أغنية قدمتها أم كلثوم عام 1973 ويقال إن أغنية “سيرة الحب” كانت من أحب ما لحن بليغ حمدي لأم كلثوم، وهي الأغنية التي كان يدندنها وهو على فراش المرض وهي من كلمات مرسي جميل عزيز.

روائع مع العندليب
في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات وفي الفترة التي كان فيها عبد الحليم حافظ نجماً سينمائياً، سمع لحن “تخونوه” وشعر أنه مناسب لفيلمه الذي كان يقوم بتصويره وهو فيلم “الوسادة الخالية”، إلا أن الأغنية كان حمدي يقوم بتحضيرها للمطربة ليلى مراد التي تنازلت عنها لإصرار عبد الحليم حافظ عليها والتهديد بعدم المشاركة في الفيلم إن لم تكن فيه، فنجحت نجاحاً باهراً وكانت سبباً لعلاقة وطيدة ومسيرة فنية غنية بينهما قدّم خلالها حمدي لحافظ ثلاثين أغنية من أبرزها: “توبة، جانا الهوى، موعود، زي الهوا، حاول تفتكرني، دمعة حزن، حبيبتي من تكون”.

وردة أكثر من لحن لها
حين استمعت وردة الجزائرية لأغنية “تخونوه” قدمت من باريس إلى مصر لتتعرف على بليغ حمدي، وسرعان ما جمعتهما قصة حب انتهت بالزواج، فالطلاق، لتكون أكثر من لحَّن لها في مسيرته، حيث بلغ مجمل ما لحن لها من أغنيات 25 ما بين الوطني والعاطفي والاجتماعي، أبرزها “بلاش تفارق، حنين، لو سألوك، اسمعوني، بودعك”، والأخيرة كانت آخر أغنية قام بتلحينها لوردة عام 1993 ويُذكر أن أغنية “العيون السود” التي غنَّتها عام 1972 كان من المقرّر أن تغنيها نجاة الصغيرة، وفي العام 1978 قام حمدي ووردة بغنائها سوية في برنامج “ليالي المغنى” التلفزيوني، ويقال أيضاً إنه أشرف على لحن أغنية “لولا الملامة” لمحمد عبد الوهاب، كما استكمل أغنية “كلمة عتاب” التي بدأ بتلحينها الموسيقار فريد الأطرش الذي توفي قبل استكمال لحنها حين طلب ورثة الأطرش منه استكمالها.

في دمشق مع ميادة الحناوي
قدّم بليغ حمدي ألحانه أيضاً لشادية: “عطشان يا صبايا، خلاص مسافر، الله يا زمن، يا حبيبتي يا مصر، يا أسمرانى اللون”، وجميع أغاني واسكتشات مسرحيتها “ريا وسكينة” والعديد من أغاني أفلامها، كما لحَّن لصباح: “عاشقة وغلبانة، يانا يانا، زي العسل، جاني، طلب السماح” وغيرها، وتُعدّ المطربة سميرة سعيد من أكثر مطربات جيلها تعاوناً مع بليغ حمدي حيث قدَّم لها الكثير من الألحان، في حين كان عطاؤه في السنوات العشر الأخيرة له موجَّهاً لمطربة الجيل ميادة الحناوي، حيث قدم من لندن إلى دمشق خصيصاً للتعرف عليها، فبقي فيها 4 سنوات وغنَّت من كلماته وألحانه “الحب اللي كان، أنا بعشقك” ومما لحن لها: “مش عوايدك، فاتت سنة، أنا أعمل ايه، سيدي أنا، أول وآخر حبيب، حبينا واتحبينا” وحظيت الحناوي بآخر ألحانه “عندي كلام”.

لحن الشجن
قدَّم بليغ حمدي ألحاناً للعديد من المطربين والمطربات مثل: محمد رشدي، وديع الصافي، طلال مداح، محمد عبده، عزيزة جلال، محرم فؤاد، لطيفة، عفاف راضي، فهد بلان، هاني شاكر، وليد توفيق، فايزة أحمد، ذكرى.. وغيرهم، كما اهتمّ أيضاً خلال مشواره بالمسرح الغنائي فقدّم عدة مسرحيات غنائية وأوبريتات استعراضية، وهو يُعدّ من أكثر الموسيقيين تلحيناً لوطنه، فكتب وغنّى بعضها بنفسه، منها “عدى النهار” لكن أشهر أغانيه الوطنية هي “يا حبيبتي يا مصر” للفنانة شادية، كما وضع الموسيقا التصويرية لكثير من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية.
توفي بليغ حمدي عام 1993 عن عمر يناهز 62 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، وأُنتج عنه عام 2007 فيلم تسجيلي بعنوان “بليغ لحن الشجن” تأليف وإخراج وإنتاج أشرف خليل، كما صدر عام 2001 كتاب لأيمن الحكيم بعنوان “بليغ.. مذكرات شخصية وشهادات لرفاق الرحلة” وكتاب آخر بعنوان “بليغ حمدي.. عبقري النغم” وصدر عام 2018 عن قطاع الثقافة في “أخبار اليوم” للكاتب أبو الحسن الجمال.

أمينة عباس